وَقد توهم بعض أهل الْأَدَب من أهل الأندلس أَن فِي الْخط الْعَرَبِيّ من الْأَشْيَاء مَا لَا يُوجد فِي غَيره من الخطوط متلقفا ذَلِك من أنَاس لم يقفوا على حَقِيقَة الْأَمر ثمَّ ظهر بعد أعصر أنَاس من غير أهل الْأَدَب فزعموا ذَلِك وَقد شعروا بِشَيْء يُقَال فِي الْخط الْعَرَبِيّ فبادروا للاعتراض عَلَيْهِ والإزراء بِهِ وظنوا أَن ذَلِك يشْعر بنباهتهم ويقربهم عِنْد الْأُمَم الْأُخْرَى وهم فِي الْأَكْثَر لَا يحسنون خطوطهم
وبينما هم ينتظرون الشُّكْر وَحسن الذّكر عِنْدهم إِذا بِكَثِير من أَرْبَاب تِلْكَ الخطوط والمهيمنين عَلَيْهَا قد ردوا عَلَيْهِم وسددوا سِهَام اللوم إِلَيْهِم وَقَالُوا لَهُم قفوا مَكَانكُمْ فَمَا لكم ولأمر لم تخبروه وأبانوا أَن شكايتهم لَيست من نفس الْخط الْعَرَبِيّ كَمَا فعل أُولَئِكَ الأغمار بل من بعض أَنْوَاع السقيمة الشَّدِيدَة الِاشْتِبَاه الَّتِي ألفها كثير من النَّاس وحثوا على الاعتناء بالخط الْمُحَقق والتزام الشكل وَلَو يما يشكل فَقَط وَوضع العلائم الدَّالَّة على الْوَقْف وَنَحْوه
وَلَا يخفى أَنه يُوجد فِي بعض أَنْوَاع الْخط الْعَرَبِيّ مَا تعسر قِرَاءَته حَتَّى على كثير من الحذاق كالخط المسلسل وَهُوَ الَّذِي تتصل حُرُوفه وَلَا ينْفَصل مِنْهَا شَيْء وَكَأن وَاضعه قصد بِهِ أَن يَجعله من قبيل الإلغاز فِي الْخط فَلَا يَنْبَغِي أَن تكْتب بِهِ وَبِمَا شابهه فِي عسر الْحل إِلَّا المذكرات الَّتِي يحب صَاحبهَا أَن لَا يطلع عَلَيْهَا غَيره ويسوغ أَن تكْتب بِهِ المراسلات الْخَاصَّة إِذا كَانَ الْمُرْسل إِلَيْهِ من العارفين بِهِ لَا سِيمَا إِن كَانَا يُحِبَّانِ أَن لَا يطلع عَلَيْهَا غَيرهمَا والحكيم من وضع كل شَيْء فِي مَوْضِعه
وَلَيْسَ الِاعْتِرَاض على الْخط واللغة وَنَحْوهمَا مُنْكرا بل هُوَ مَطْلُوب إِذا كَانَ على وَجهه فَإِن بَيَان النَّقْص فِي الشَّيْء رُبمَا دَعَا إِلَى إِزَالَته فَيكون من مُوجبَات الْكَمَال وَإِنَّمَا الْمُنكر التهافت عل الِاعْتِرَاض من غير معرفَة وَلَا اختبار كَمَا يَفْعَله كثير من الأغمار
وَقد وقفت على مقالات فِيهَا بَيَان حَال الْخط الْعَرَبِيّ وَمَا قَالَه أهل الْمعرفَة فِيهِ وَهِي صادرة مِمَّن خبر كَمَا خبر غَيره من خطوط الْأُمَم الْمَشْهُورَة
وَقد أَحْبَبْت أَن أورد هُنَا مَا ذكر فِيهَا بعد الْجمع بَينهَا مَعَ الِاخْتِصَار والتنقيح وَهَا هُوَ ذَلِك