للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

رَأَوْا أَن صور الْحُرُوف اللاتينية لَا تشْتَمل على جَمِيع حروفهم فَجعلُوا لكل حرف من الْحُرُوف المختصة بهم صُورَتَيْنِ أَو أَكثر من صور الْحُرُوف اللاتينية

انْظُر إِلَى الشين مثلا وَهِي مِمَّا لَا يُوجد فِي اللاتينية فترى بَعضهم يصورها بِالسِّين وَالْهَاء وَبَعْضهمْ بِالسِّين وَالزَّاي وَبَعْضهمْ بِالْكَاف وَالْهَاء وَبَعْضهمْ بِالسِّين وَالْكَاف وَالْهَاء وَبَعْضهمْ بِغَيْر ذَلِك وَقس عَلَيْهِ سَائِر الْحُرُوف الَّتِي تُوجد فِي لغتهم وَلَا تُوجد فِي لُغَة اللاتين وليتهم كَانُوا سلكوا فِي ذَلِك مسلكا وَاحِدًا حَتَّى لَا يَقع الْمطَالع فِي كثير من الْمَوَاضِع فِي الْحيرَة

وَقد أظهر الْعَرَب فِيمَا استعاروه لهَذِهِ الأحرف من الصُّور حِكْمَة بَالِغَة تظهر مِمَّا قَرَّرَهُ العارفون باللغات السامية وَهُوَ أَن اللُّغَة الْعَرَبيَّة والسريانية والعبرانية قد نشأت من أصل وَاحِد هُوَ لَهُنَّ بِمَنْزِلَة الْأُم وَهِي اللُّغَة الآرامية نِسْبَة إِلَى آرام أحد أَبنَاء سَام وَهَذِه اللُّغَات الثَّلَاث بِمَنْزِلَة الْأَخَوَات وَمِمَّا يدل على ذَلِك كَثْرَة التشابه بَينهُنَّ

وَلما كَانَ الْأَمر كَذَلِك أَحبُّوا أَن يراعوا فِي أَمر تَصْوِير هَذِه الْحُرُوف جَانب الْأُخْتَيْنِ إِلَّا أَن مُرَاعَاتهمْ لجَانب السريانية الَّتِي أخذُوا هَذَا الْخط من أَرْبَابهَا كَانَ أَكثر وَذَلِكَ أَن الْأَلْفَاظ الْعَرَبيَّة الَّتِي فِيهَا صَاد وَهِي مَوْجُودَة فِي السريانية والعبرانية تجْعَل السريانيون ضادها عينا والعبرانيون صادا نَحْو أَرض وضان وضاق وَقبض فَإِنَّهَا فِي السريانية أرع وعان وعاق وقبع والعبرانية أرص وصان وصاق وقبص فاستعاروا للضاد صُورَة للصاد مجاراة للعبرانيين الَّذين يجْعَلُونَ الضَّاد صادا وَلم يستعيروا لَهَا صُورَة الْعين مجاراة للسريانيين الَّذين يجْعَلُونَ الضَّاد عينا لما بَين الضَّاد وَالْعين من الْبعد فِي اللَّفْظ

وَقد فعلوا عكس ذَلِك فِي الظَّاء فَإِنَّهُم لم يصوروها بالصَّاد كَمَا يلفظها العبرانيون وَلَكِن صورها بِالطَّاءِ كَمَا يلفظها السريانيون وَذَلِكَ لِأَن الْبعد مَا بَين الظَّاء وَالصَّاد أَكثر من الْبعد مَا بَين الظَّاء والطاء وَلِأَن صُورَة الصَّاد قد استعيرت لصورة الضَّاد وَلِأَن مجاراة من أخذُوا عَنْهُم الْخط أولى

<<  <  ج: ص:  >  >>