وَالْمَشْهُور مهما زَادَت شهرته لَا يرْتَفع عَن دَرَجَته إِلَى دَرَجَة الْمُتَوَاتر إِذْ الشَّرْط فِي الْمُتَوَاتر أَن يكون التَّوَاتُر مَوْجُودا فِيهِ من الطَّبَقَة الأولى فَمَا بعْدهَا فَإِذا فقد ذَلِك فِي طبقَة من الطَّبَقَات لَا سِيمَا الأولى لم يعد متواترا فَإِن كَانَ متواترا فِي أول الْأَمر ثمَّ زَالَ عَنهُ التَّوَاتُر قيل خبر مُنْقَطع التَّوَاتُر فَإِن لم يكن متواترا من أول الْأَمر لم يقل لَهُ متواتر نعم يسوغ أَن يُوصف بالتواتر النسبي فَيُقَال هَذَا الْخَبَر قد تَوَاتر فِي الطَّبَقَة الثَّانِيَة أَو الثَّالِثَة مثلا وَلَا يُقَال لَهُ خبر متواتر على الْإِطْلَاق
فَإِذا ضعفت الشُّهْرَة فِي الْمَشْهُور نزل عَن دَرَجَته وانتقل إِلَى مَا بعْدهَا كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ وَقس على ذَلِك الْعَزِيز والغريب غير أَن الْغَرِيب لما كَانَ فِي الْمنزلَة الدُّنْيَا فَإِذا ضعف اندرس وَصَارَ نسيا منسيا وَالْخَبَر قد يحيا بعد الاندراس وَذَلِكَ بِظُهُور أَمر يدل عَلَيْهِ وَاعْلَم أَنه قد يشْتَبه الشَّائِع عَن أصل بالمتواتر بل قد يشيع خبر لَا أصل لَهُ فيظنه من لم يتتبع أمره متواترا ولكثرة الِاشْتِبَاه فِي هَذَا الْبَاب على كثير من النَّاس ظن بَعضهم أَن لَا سَبِيل إِلَى أَخذ الْيَقِين من الْأَخْبَار لَا سِيمَا الَّتِي مَضَت عَلَيْهِ قُرُون كَثِيرَة فقد ذكر فِي كتب الْكَلَام وَكتب الْأُصُول أَن فرقة من النَّاس أنْكرت إِفَادَة الْمُتَوَاتر الْعلم اليقيني وَقَالَت إِن الْحَاصِل مِنْهُ هُوَ الظَّن الْقوي الْغَالِب وَفرْقَة مِنْهُم سلمت إفادته الْعلم اليقيني فِي الْأُمُور الْحَاضِرَة وَأنْكرت فِي الْأُمُور الغابرة
قَالَ الْغَزالِيّ فِي الْمُسْتَصْفى أما إِثْبَات كَون التَّوَاتُر مُفِيدا للْعلم فَهُوَ ظَاهر خلافًا للسمنية حَيْثُ حصروا الْعلم فِي الْحَواس وأنكروا هَذَا وحصرهم بَاطِل فَإنَّا بِالضَّرُورَةِ نعلم كَون اللف أَكثر من الْوَاحِد واستحالة كَون الشَّيْء قَدِيما مُحدثا وامورا أخر ذَكرنَاهَا فِي مدراك الْيَقِين سوى الْحَواس بل نقُول حصرهم