لذَلِك الظاهرون غير أَنهم لم يقتصروا على ذَلِك بل نسبوا غَيرهم من الْفرق إِلَى الْإِعْرَاض عَن السّنة حَتَّى لم ينج مِنْهُم كثير مِمَّن يرجع إِلَيْهِ فِي علم الحَدِيث وَأَكْثرُوا من التشنيع وَأعظم الْأَسْبَاب قَول مخالفيهم بِالْقِيَاسِ وهم ينكرونه إنكارا شَدِيدا وَأَشد الْقَوْم إفراطا فِي ذمّ الْمُخَالفين لَهُم ابْن حزم فَإِن لَهُ فيهم أقوالا تستك مِنْهَا المسامع
وَقد امتعض من ذَلِك من ذَلِك مخالفوهم فوصفوهم بالجمود وجعلوهم فِي بَاب الْإِجْمَاع بِمَنْزِلَة الْعَوام الَّذين لَا يعْتد بخرفهم حَتَّى إِن بَعضهم لم يسْتَثْن من ذَلِك من ينْسب إِلَيْهِ هَذَا الْمَذْهَب وَهُوَ الإِمَام الْمَشْهُور أَبُو سُلَيْمَان دَاوُد بن عَليّ الْأَصْفَهَانِي الْمَعْرُوف بالظاهري قَالَ بعض عُلَمَاء الْأُصُول لَا يعْتد بِخِلَاف من أنكر الْقيَاس لِأَن من أنكرهُ لَا يعرف طرق الِاجْتِهَاد وَإِنَّمَا هُوَ ممتسك بالظواهر فَهُوَ كالعامي الَّذِي لَا معرفَة لَهُ وَهُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور
وَقَالَ بعض الْفُقَهَاء إِن مُخَالفَة دَاوُد لَا تقدح فِي انْعِقَاد الْإِجْمَاع على الْمُخْتَار الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ والمحققون وَقَالَ صَاحب الْمُفْهم قَالَ جلّ الْفُقَهَاء والأصوليين إِنَّه لَا يعْتد بخلافهم بل هم جملَة الْعَوام وَإِن من اعْتد بهم فَإِنَّمَا ذَلِك لِأَن مذْهبه يعْتَبر خلاف الْعَوام فِي انْعِقَاد الْإِجْمَاع وَالْحق خِلَافه
وَقد استنكر بعض أهل الْأُصُول القَوْل بِعَدَمِ الِاعْتِدَاد بقول دَاوُد فِي الْإِجْمَاع مَعَ أَنه كَانَ فِي الدرجَة الْعليا فِي سَعَة الْعلم وسداد النّظر وَمَعْرِفَة أَقْوَال الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالْقُدْرَة على الاستنباط مَعَ الزّهْد والورع وَقد دونت كتبه وَكَثُرت أَتْبَاعه وَقد بلغ مَا أَلفه ثَمَانِيَة عشر ألف ورقة وَكَانَ مولده بِالْكُوفَةِ ومنشأه بِبَغْدَاد وَبهَا توفّي سنة ٢٧٠
وَقد تصدى ابْن حزم لبَيَان من يعْذر فِي الْخَطَأ فِي هَذَا الْموضع وَمن لَا يعْذر وَقد أحببنا أَن نورد نبذا مِمَّا ذكره ليطلع عَلَيْهِ من يُرِيد الْوَقْف على رَأْيه فِي هَذِه الْمَسْأَلَة المهعمة وَهَا هُوَ ذَلِك