قَالَ فِي الْبَاب الموفي أَرْبَعِينَ من كتاب الإحكام لأصول الْأَحْكَام وَهُوَ آخر الْكتاب إِن أَحْكَام الشَّرِيعَة كلهَا قد بَينهَا الله تَعَالَى بِلَا خلاف فَهِيَ كلهَا مَضْمُونَة الْوُجُود لعامة الْعلمَاء وَإِن تعذر وجود بَعْضهَا على بعض النَّاس فمحال أَن يتَعَذَّر وجوده على كلهم لِأَن الله لَا يكلفنا مَا لَيْسَ فِي وسعنا قَالَ تَعَالَى {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا} وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} وتكليف إِصَابَة مَا لَا سَبِيل إِلَى وجود حرج
وَقد اتّفق الْعلمَاء على أَن الْقُرْآن وَالسّنَن مَوَاضِع لوُجُود أَحْكَام النَّوَازِل ثمَّ اخْتلفُوا فَقَالَت طَائِفَة لَا مَوضِع آلبته لطلب حكم النَّوَازِل من الشَّرِيعَة وَلَا لوُجُوده غير ذَلِك وَقَالَ آخَرُونَ بل هَا هُنَا مَوَاضِع أخر يطْلب فِيهَا حكم النَّازِلَة وَهِي دَلِيل الْخطاب وَالْقِيَاس وَقَول أَكثر / الْعلمَاء وَعمل أهل الْمَدِينَة وَغير ذَلِك مِمَّا شرحناه وَبينا حكمه فِيمَا سلف من كتَابنَا هَذَا
وَقد كَانَت فِي ذَلِك أَقْوَال لقوم من أهل الْكَلَام قد درست مثل قَول بَعضهم الْوَاجِب أَن يُقَال بِأول مَا يَقع فِي النَّفس فِي أول الْفِكر وَقَول بَعضهم الْوَاجِب أَن يُقَال بالأثقل لِأَنَّهُ خلاف الْهوى وَقَول بَعضهم الْوَاجِب أَن يُقَال بالأخف لقَوْله تَعَالَى {يُرِيد الله بكم الْيُسْر وَلَا يُرِيد بكم الْعسر}
وَهَذِه أَقْوَال فَاسِدَة يُعَارض بَعْضهَا بَعْضًا وكل مَا ألزمنا الله فَهُوَ يسر وَإِن ثقل علينا وكل شَرِيعَة نكلف بهَا فَهِيَ خلاف الْهوى لِأَن تَركهَا كَانَ مُوَافقا للهوى وَمَا يَقع فِي أَوَائِل الْفِكر قد يكون من قبيل الوسواس فَلَا لَازم لنا إِلَّا مَا ألزمنا الله تَعَالَى سَوَاء وَقع فِي النَّفس أَو لم يَقع وساء كَانَ أخف أَو أثقل
وَقد أوضحنا فِيمَا سلف الْبَرَاهِين الضرورية على ان الْحق لَا يكون فِي قَوْلَيْنِ مُخْتَلفين فِي حكم وَاحِد فِي وَقت وَاحِد فِي إِنْسَان وَاحِد فِي وَجه وَاحِد ونتوقف