للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مجرى المصدر الموصوف به، أعني السماء، وقد وردت في كتاب الله مجموعة

بخلاف (الأرض) فما الفرق بينهما؟.

قلنا: فرقان، فرق من جهة اللفظ وفرق من جهة المعنى، فأما " الأرض " فعلى وزن ألفاظ المصادر الثلاثية الذي وجب لها في الأصل، وهو ما كان على وزن فعل الآن مصدر الثلاثي، وإن اختلفت أبنيته فالواحدة في جميعه " فعلة " قياساً لا ينخرم.

فهذا يدلك على أنه الأصل في أبنية المصادر الثلاثية وأما " السماء "

وإن كان مثالها في المصادر كالعلاء والجلاء (فهي بأبنية الأسماء أشبه)

وإنما الذي يماثل الأرض في معناها ووزنها (التحت، والسفل) وهي لا تثنى ولا تجمع، وفي مقابلتهما الفوق، و " العلو "، وهما كذلك لا يجمعان أبداً، على أنا لا نسلم أن السماوات جمع لسماء وإنما هي جمع لسماوة، وسماوة كل شيء أعلاه، وأما جمع سماء على لفظها فأسمية في التكسير، وسماوات في المسلم.

وأما الفرق من جهة المعنى فإن الكلام متى اعتمد به على السماء المحسوسة

التي هي السقف، وقصد به إلى ذائها دون معنى الوصف، صح جمعها جمع

السلامة، لأن العدد قليل، وجمع السلامة بالقليل أولى، لا تقدم قبلُ من قربه من التثنية، فوجب أن يكون على حدها، فإذا اجتمع الكلام على الوصف استزاد معنى العلا والرفعة، وإن كان الخبر عن السماوات العلى، فجرى اللفظ مجرى المصدر الموصوف به في قولك: " قوم عدل وزور ".

وأما الأرض فلم تجئ في القرآن مقصوداً إلى ذاتها، ولا معبراً عنها إلا بما هو بمعنى السفل (والتحت) ، تنبيهاً من الله تعالى على ذمها، وإعراضاً عن ذكرها، وترك الاعتناء بها إذ كانت دار الحياة الدنيا، تصديقاً لما ورد في الأثر من أن الله تعالى لم ينظر إلى الدنيا منذ خلقها، وأنه

يقول لها: (اسكتي يا لا شيء) .

وشبهها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجيفة، بل قال

" إنها أهون على الله من الجيفة ".

فلم يكن - جل ثناؤه - ليعتمد ذاتها بالذكر، ولا ليعبر

عنها بغير وصف الذم، بخلاف السماء المشوقة الرفيعة المقدسة المطهرة، التي هي

<<  <   >  >>