للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مقر ملائكته، ومحل أنوار (جلاله) وعظمته، فإذا اعتمد ذكر ذاتها مع ما فوفها من جمع، وإذا اعتمد الوصف الشامل لسماواته - وهو معنى العلاء والعلو - أفرد.

وذلك في حسب ما يتصل به من كلام، ويقتضيه في بعض الآيات دون بعض

إعجاز الانتظام، كقوله سبحانه: (فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)

وكقوله: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) ، (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ) .

فإن اعتماد الكلام في هذه الأي يخالف اعتماده ومقصده في نحو قوله سبحانه: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ)

و (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) ، (خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ) .

قصد في هذه إلى تعيين ذواتها وتفصيل آحادها بخلاف ما تقدم.

فإن قيل: فلم قال في سورة سبا: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) ، وفي سورة يونس: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)

وهل في النظم المعجز ما يقتضي فرقاً بين الموضعين.

قلنا: نعم، قد يرد لفظ السماء عبارة عن كل ما علا من السماوات فما فوقها إلى العرش وغير ذلك من المعاني العلوية المختصة بالربوبية، فيكون اللفظة بصيغة الإفراد كالوصف المعبر به عن الموصوف، كما تقدم في الوصف قبل هذا.

وقد يكون السماء عبارة عن السماء الدنيا عرفا، ويكون عبارة عن السحاب الذي ينزل منه الماء، وكان المخاطبون بهذه الآية - أعني التي في يونس - مقرين بنزول الرزق من هذه السماء - أعني الرزق المحسوس كالغيث ونحوه وقد قال في آخر الآية: (فسيقولون الله) فلما انتظم هذا الكلام بما قبله لم يصلح في النظم إلا ذكر السماء مفردة، لأنهم لا يقرون بما ينزل من فوق ذلك من الرزق المعقول والرحمة بالعباد كالوحي الذي به حياة الأرواح والأجساد، بل ينكرون ذلك، فوردت

السماء فيها بلفظ الإفراد، بخلاف الآية الأخرى، فإنه لم ينتظم بها ذكر إقرارهم بما ينزل من الرزق، ولكنه قال تعالى: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ)

<<  <   >  >>