للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن الصلاة كلها، كما تقول: ركعت ركعتين وركعت أربع ركعات، إنما تريد الصلاة لا الركوع بمجرده، فصارت الآية متضمنة لصلاتين: صلاتها وحدها، عبر عنها بالسجود، لأن السجود أفضل حالات العبد، وكذلك صلاة المرأة في بيتها أفضل لها، ثم صلاتها في المسجد عبر عنها بالركوع، لأنه في الفضل دون السجود، وكذلك صلاتها مع المصلين دون صلاتها وحدها في بيتها ومحرابها، وهذا نظم بديع وفقه دقيق، وبالله التوفيق.

وهذه نبذ تشير لك إلى ما وراء، أو تنبذن وأنت صحيح

بالعراء، إن شاء الله تعالى.

ومما يليق ذكره بهذا الباب ما تضمنه قوله تعالى: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) من الحكم الباهرة، والفوائد الباطنة والظاهرة، فإنه تعالى بداً بالطائفين للرتبة والقرب من البيت المأمور بتطهيره من أجل الطوافين، وجمعهم جمع السلامة، لأن جمع السلامة أدلُّ على لفظ الفعل الذي هو علة يتعلق بها حكم التطهير، ولو قال مكان الطائفين: الطواف، لم يكن في هذا اللفظ من بيان قصد الفعل ما في قوله: (الطائفين) .

ألا ترى أنك تقول: يطوفون، كما تقول:

طائفون، فاللفظ مضارع للفظ.

فإن قيل: فهلا أتي بلفظ الفعل بعينه فيكون أبين، فيقول: طهر بيتي للذين

يطوفون؟.

فالجواب: أن الحكم معلل بالفعل لا بذوات الأشخاص.

ولفظ (الذين) ينبئ عن الشخص والذات، ولفظ " الطواف " يخفي معنى الفعل ولا يبينه، فكان لفظ (الطائفين) أولى بهذا الموطن.

ثم يليه في الترتيب (القائمين) ، لأنه في معنى العاكفين، وهو في معنى قوله

تعالى: (إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا) ، أي: مثابراً ملازماً، وهو كالطائفين في تعلق حكم التطهير به، ثم يليه بالرتبة لفظ الركع، لأن المستقبلين البيت بالركوع لا يختصون بما قرب منه كالطائفين والعاكفين، ولذلك لم يتعلق حكم النطهير بهذا الفعل الذي هو الركوع، وأنه لا يلزم أن يكون في البيت ولا عنده، فلذلك لم يجئ

<<  <   >  >>