للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بلفظ الجمع المسلم، إذ لا يحتاج فيه إلى بيان لفظ الفعل كما احتيج فيما قبله.

ثم وصف الركع بالسجود، ولم يعطف بالواو كما عطف ما قبله، لأن الركع هم السجود، والشيء لا يعطف بالواو على نفسه، ولفائدة أخرى، وهو أن " السجود " في الأغلب عبارة عن المصدر، والمراد به هاهنا الجمع، فلو عطفت بالواو لتوهم أنه يريد السجود الذي هو المصدر دون الاسم الذي هو النعت.

وفائدة ثالثة، وهو أن الراكع إن لم يسجد فليس براكع في حكم الشريعة، فلو عطفت بالواو لتوهم أن الركوع حكم يجري على حياله.

فإن قيل: فلم قال: (السجود) على وزن فعول، ولم يقل السُّجَّد كما قال

الرُّكَّع، وكما قال في آية أخرى: (رُكَّعًا سُجَّدًا) ؟

وما الحكمة في جمع ساجد على سجود، ولم يجمع راكع على ركوع؟

فالجواب: أن السجود - في أصل موضوعه - عبارة عن الفعل، وهو في

معنى الخشوع والخضوع، وهو يتناول السجود الظاهر والباطن، ولو قال: " السُّجَّد " جمع ساجد لم يتناول إلى المعنى الظاهر.

وكذلك الرُّكَّع، ألا تراه يقول: (تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا) : يعني رؤية العين، وهي لا تتعلق إلا بالظاهر، والمقصود هاهنا الركوع

الظاهر لعطفه على ما قبله مما يراد به قصد البيت، والبيت لا يتوجه إليه إلا بالعمل الظاهر، وأما الخشوع والخضوع الدي يتناوله لفظ الركوع، دون لفظ الركع فليس مشروطاً بالتوجه إلى البيت.

وأما السجود فمن حيث أنبأ عن المعنى الباطن، جعل وصفاً للركع ومتمماً

لمعناه، إذ لا يصح الركوع الظاهر إلا بالسجود الباطن، ومن حيث تناول لفظه أيضاً السجود الظاهر الذي يشترط فيه التوجه إلى البيت، حسن انتظامه أيضاً بما قبله، مما هو معطوف على الطائفين الدين ذكرهم بذكر البيت، فمن لحظ هذه المعاني بقلبه، وتدبر هذا النظم البديع بلُبِّه، ترفع في معرفة الإعجاز عن التقليد، وأبصر بعين اليقين أنه تنزيل من حكيم حميد.

<<  <   >  >>