للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كقوله عز وجل: (فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ)

حسن ذلك، لأن الألف واللام للجنس لا للعهد ولو كانت للعهد لقبح، كقولك: خذ من كل الثمرات التي عندك

والتي من شأنها كذا، لأنها إذا كانت جملة معرفة معهودة، وأردت معنى الإحاطة فيها، فالأحسن أن تأتي بالكلام على أصله، فتؤكد المعرفة بـ كل، فتقول: خذ من الثمرات كلها، لأنك لم تضطر إلى إخراجها عن التوكيد، كما اضطررت في النكرة حين قلت: " لقيت كل رجل "، لأن النكرة لا تؤكد، وهي أيضاً شائعة في الجنس كما تقدم.

فإن قيل: فإذا استوى الأمران في قوله: كل من كل الثمرات، وكل من الثمرات كلها، فما الحكمة في اختصاص أحد الجائزين بأن يكون من نظم القرآن دون الآخر؟

قلنا: لو كان هذا السؤال من كلام غير هذا الكلام العزيز لم يحفل به، لأن

الفصيح يتكلم بما شاء من الوجوه الجائزات ولا اعتراض عليه، ولكن الكلام الإلهي والنظم المعجز الخارق للعادات يقتضي حكمة ومزيد فائدة في اختصاص أحد الوجهين دون الآخر.

أما قوله تعالى: (فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ)

فمن هاهنا لبيان الجنس لا للتبعيض والمجرور في موضع المفعول لا في موضع الظرف، إنما يريد الثمرات بأنفسها، لا أنه أخرج منها شيئا، وأدخل من لبيان الجنس كله.

ولو قال: أخرجنا به (من) الثمرات كلها، لقيل؟ أي شيء أخرج منها؟

وذهب الوهم إلى أن المجرور في موضع ظرف، وأن مفعول أخرجنا فيما بعد، ولم يتوهم ذلك مع تقديم كل، لعلم المخاطبين أن كلا إذا تقدمت تقتضي الإحاطة بالجنس، وإذا تأخرت - وكانت - توكيداً - اقتضت الإحاطة بالمؤكد خاصة، جنساً شائعاً كان أو معهوداً معروفا.

وأما قوله عز وجل: (كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ) .

ولم يقل: من الثمرات كلها، ففيها الحكمة التي في الآية قبلها.

ومزيد فائدة وهو أنه قد تقدمت في النظم

قوله: (وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ) ، لأن الألف واللام إنما تردك إلى المعهود

<<  <   >  >>