للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ) ولم يقل: فانون، كما قال عز وجل: (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ)

وقوله تعالى: (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا) .

إلى غير ذلك من الشواهد التي يغني عن غايتها الشاهد.

فإن قيل: فقد ورد في القرآن موضعان أفرد فيها الخبر عن " كل "، وهي غيم

مضافة إلى شيء بعدها، وهما قوله تعالى: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ)

و (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ) ، ولم يقل: كذبوا؟.

فالجواب: أنه في هاتين الآيتين قرينة تقتضي تخصيص المعنى بهذا اللفظ

دون غيره أما قوله تعالى: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) فلأن قبلها ذكر فريقين مختلفين، وذكر مؤمنين وظالمين، فلو قال: " كل يعملون "

وجمعهم في الإخبار عنهم لبطل معنى الاختلاف، فكان لفظ الإفراد أدل على المراد، كان يقول: " كل فريق يعمل على شاكلته ".

وأما قوله تعالى: (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ) ، فلأنه ذكر قروناً وأمماً، وختم ذكرهم

بذكر قوم تُبَّع، فلو قال: كل كذبوا، و (كُلٌّ) إذا أفردت إنما تعتمد على أقرب المذكورين إليها، فكان يذهب الوهم إلى أن الإخبار عن قوم تبع خاصة، أنهم كذبوا الرسل، فلما قال: (كُلٌّ كَذَّبَ) علم أنه يريد كل قرن منهم كذب، لأن إفراد الخبر عن (كُلٌّ) حيث وقع إنما يدل على هذا المعنى كما تقدم، ومثله قوله تعالى: (كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ) .

وأما قولنا في: (كُلّ) إذا كانت مقطوعة عن الإضافة فحقها أن تكون مبتدأة

فإنما تريد أنها مبتدأة مخبر عنها، أو مبتدأة منصوبة بفعل بعدها لا قبلها، أو مجرورة يتعلق خافضها بما بعدها، كقولك: كلًّا ضربت، وبكل مررت، قال الشاعر:

كلًّا بلوت فلا النعماء تبطرني

<<  <   >  >>