للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مستقصر لنفسه في العمل، وراغب إلى ربه، في التوبة والهداية إلى الأفضل، حتى ينتهي الأمر إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - فيقولها أيضاً، لأنها أخوف لربه، وأكثر استقصاراً لعمله، وكان يستغفر ربه - عز وجل - ويتوب إليه في اليوم مائة مرة، وقال في الحديث:

" نظرت إلى جبريل كأنه حلس لاط، فعرفت فضل عمله علي ".

فإن قيل: فقد قال تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) وقد كان على الصراط الأقوم، فضلاً عن صراط مستقيم على الإطلاق؟

فالجواب: أن هذه الآية نزلت في صلح الحديبية، وكان المسلمين قد كرهوا

ذلك الصلح ورأوا أن الرأي خلافه، وكان الله ورسوله أعلم، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فلم يرد صراطاً مستقيماً في الدين، وإنما أراد صراطاً مستقيماً في الرأي والحرب والمكيدة وقوله تعالى:

(وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) .

أي: تهدي من الكفر والضلال إلى صراطٍ مستقيم.

ولو قال في هذا الموطن: " الصراط المستقيم "، لجعل للكفر والضلال حظاً من الاستقامة، إذ الألف واللام تنبئ أن ما دخلت عليه من الأسماء الموصوفة أحق بذلك المعنى مما تلاه في الذكر، أو ما قرن

به في الوهم، ولا يكون أحق به إلا والآخر فيه طرف منه.

وأما اشتقاق الصراط فمن " سرطت الشيء أسرطه "، إذا بلعته بلعاً سهلاً.

فالصراط هو الطريق السهل القويم، وجاء على وزن " فعال "، لأنه مشتمل على سالكة اشتمال الحلق على الشيء المسروط، وهذا الوزن كثير في المشتملات على الأشياء كاللحاف والخمار والرداء، وكذلك الشكال والعنان، إلى سائر الباب.

وأما ذكره بلفظ (الطريق) في سورة الأحقاف خاصة، فلأنه انتظم بقوله

سبحانه: (سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى) .

وإنما أراد أنه سبيل مطروق قد

<<  <   >  >>