للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مرت عليه الرسل قبله، وأنه ليس ببدع، كما قال في السورة نفسها، فاقتضت البلاغة والإعجاز لفظ " الطريق "، لأنه " فعيل " بمعنى " مفعول ".

أي: إنه مطروق مشت عليه الرسل والأنبياء قبل، وليس في المواضع الأُخر ما يقتضي هذا المعنى.

فكان لفظ الصراط بها أولى، لأنه أمدح من جهة الاشتقاق والوزن كما تقدم.

وأما إضافته إلى اللفظ المجمل، ولم يقل: " صراط النبيين والصالحين ".

فلفائدتين: إحداهما: نفي التقليد عن القلب، واستشعار العمل بأن من هدي إلى هذا الصراط فقد أنعم عليه، ولو ذكرهم بأعيانهم لم يكن فيه هذا المعنى.

والفائدة الأخرى أن الآية عامة في طبقات المسلمين مسيئهم وصالحهم.

والمسيء لا يطلب درجة العالي حتى ينال التي هي أقرب إليه، ولفظ

(الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) يشمل الجميع، وجميع المأمورين بهذا الدعاء يطلب صراط الذين أنعم الله عليهم، وهم أصناف، كما أن السائلين لدرجاتهم أصناف.

وأما قوله تعالى: (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ، ولم يقل: " المنعم عليهم "، فلأن

ذكر نعمة المنعم والثناء بها عليه وذكر النعم شكر، وإبراز ضمير الفاعل العائد على الله سبحانه من قوله: (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ذكر لله تعالى باللسان والقلب، ولو قال: " المنعم عليهم " لخلا هذا اللفظ من هذه الفوائد المقرونة بالدعاء، وهي الشكر والذكر، ألا ترى إلى قول إبراهيم عليه السلام: (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) ؟

فأضاف الفعل إلى ربه، ثم قال: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) .

ولم يقل: " أمرضني "، كما قال: (يُطْعِمُنِي) ، إذ ليس في قولك

" أمرضني " إلا الإخبار المجرد عن الشكر والثناء، وربما اقترن به تسخط وتضجر، فعدل عنه إلى قوله: (مَرِضْتُ) .

ولذلك قال سبحانه: (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) ولم يقل:

" الذين غضبت عليهم "، إذ ليس في الإخبار عنه بالغضب من الشكر والإحسان ما في قوله: (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ؟

فكان اللفظ الوجيز أولى.

ولفائدة أخرى وهي أن الغضب صفة ينبغي للعبد أن يشترك فيها مع الرب

فيغضب لغضب الله تعالى، فاليهود قد غضب عليهم لغضب الله وجميع المؤمنين،

<<  <   >  >>