للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فاستشعر الداعي هذا المعنى فلم يقل: " الذين غضبت عليهم ".

إذ لو قال ذلك لأخرج نفسه عن أن يغضب لغضب الله، كما أخرج نفسه عن أن ينعم، وأفرد الرب بالإنعام فقال: (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) .

وفائدة أخرى، وهو أن الألف واللام في (المغضوب) ، وإن كانت بمعنى

" الذين " فليست مثلها في التصريح والإشارة إلى تعيين ذات الاسم، فإن قولك: " الذين فعلوا " معناه: القوم الذين فعلوا، وقولك:

" الضاربون والمضربون " ليس فيه ما في قولك " الذين ضَرَبوا أو ضُرِبوا "، وإذا صح هذا وتأملته فالذين أنعمت عليهم بلفظ (الذين) إشارة إلى تعرفهم بأعيانهم، وتعرفهم من الدين ولا سيما النبيين.

بخلاف من غضب الله عليهم فوجب الإعراض عنهم وترك الالتفات إلى ذاتهم، فاقتصر على الصفة المذمومة دون أن يعينوا بالذين.

وأما قوله: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ) نعتاً للذين، ولم يقل: " إلا الغضوب عليهم "

فلفائدة وهو أن اليهود والنصارى يدعون أن الله - تعالى - أنعم عليهم بالكتابين، وأنهم على الصراط المستقيم، فبين سبحانه أن الذين أنعم عليهم هم غير المغضوب عليهم، وهم اليهود، ولم يقل اليهود، " تجريداً للفظ، ليخرجهم بذكر الغضب عن صفة المنعم عليهم، وكذلك الضالين.

وقد تقدم في باب العطف ذكر " لا " في هذا الموضع، وأنها تعطي العطف بعد

إيجاب فلو عطف بها هاهنا لم يكن في الكلام أكثر من نفي إضافة الصراط إلى اليهود والنصارى، فلما جاء بغير، وهي اسم ينعت بها، زاد في الكلام فائدة الوصف والثناء للذين أنعم عليهم.

وأما استحقاق اليهود لهذا الاسم فلنزول غضب الله بهم في الدنيا، لتسليطه

الملوك عليهم وانتزاع الملك منهم، كما قال تعالى:

(وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ) .

فمن حيث أخبر عنهم أنهم قد باؤوا بغضب سماهم (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) .

وأما تقديمهم على (الضالين) فقد تقدم من أصول التقديم في باب العطف ذكر التقديم بالزمان، وذكر التقديم بالرتبة.

واليهود متقدمون

<<  <   >  >>