وهذا الأصل في هذا الباب، ولا يشرد عن هذا القياس شيء إلا ويمكن رده
إليه، إلا أن تكون ألفاظ قد أدخلت في هذا الباب بوجه من المجاز، فنجد مصادرها مخالفة لهذا الأصل في وزنها أو شيء من أحكامها، وليس ذلك إلا لنقلها بالاستعارة والمجاز عن أصل موضوعها، لقولهم: شرف الرجل شرفاً، ولم يقولوا: شرافا، كقولك: جمالاً وكمالاً ولا: شرافة، كقولك: جلالة، لأن الشرفْ رفعة في الآباء.
والآباء شيء خارج عن محل الفعل، فهو مستعار من شرف الأرض، والشرف في الأرض كالهدف والعلم، فاستعيد للرجل الرفيع في قومه، كأنَّ آباءه الذين ذكر بهم وارتفع بسببهم شرف له، إذ الشرف من الأرض يرتفع بسببه ويظهر منه.
وكذلك قالوا في هذا الباب: الحسب، لأنه من باب القبض والقنص، وليس
من باب المصادر، لأن الحسب ما يحسب الإنسان لنفسه من خصال كرام
وخصال حميدة، فقد تبين أنه لا يخرج عن هذا الباب شيء إلا لسبب ما، وأن الأصل ما تقدم، واستحق الاسم العام في هذا الباب الفعال - بفتح الفاء
والعين - بعدهما ألف والألف فتح، ليكون اللفظ بتوالي الفتح فيه موازيا لانفتاح المعنى واتساعه.
وكذلك اطرد في الجمع الكثير نحو: " مفاعل، و " فعائل "، وبابه، واطرد في باب " تفاعل " نحو: تقاتل، وتخاصم، ونحو: تمارض، وتغافل، وتراقد، لأنه إظهار للأمر وانتشار له.
ومن هذا الباب مما يوافقه في وجهٍ ويخالفه في وجه آخر حلم، لأنه يدل على
ثبات الصفة، فوافق ما قبله في الضم وخالفه: في المصدر مخالفته له في المعنى.
لأنه صفة نفي، وليس بصفة عرضية معنوية، وإنما هو عبارة عن تملك المعاقبة
ونفيها.
ومن هذا الباب: " كبر " و " صغر "، هو موافق لما قبل في ثبوت الفعل فجاء على وزنه، وهو مخالف له في الحدث، لأن الصغر والكبر وما كان على هذا البناء عبارة عن كثرة أجزاء الجسم وقلتها، لا عن عرض ومعنى زائد كالجمال ونحوه.
واستقصاء المصادر والأفعال وتتبع نوادرها وأسرارها، يأتي في بابها إن
شاء الله تعالى.