ولكن عدلوا في أكثر الكلام عنها إلى حرف (لم) ، لوجوه منها:
أنهم (قد) خصوا المستقبل بـ (لن) ، فأرادوا أن يخصوا كذلك الماضي في
النفي بحرف كما فعلوا بالمستقبل، لأن " لا "، لا تختص ماضياً من مستقبل في
النفي، ولا فعلًا دون اسم.
ووجه آخر، وهو أن " لا " يتوهم انفصالها مما بعدها، إذ قد تكون نافية لما قبلها ويكون ما بعدها في حكم الوجوب، مثل قوله تعالى:
(لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ) .
وحتى لقد قيل في قول عمر - رضي الله عنه -:
" لا نقضي ما تجانفنا فيه لإثم ":
أن " لاا " ردع لما قبلها، و " نقض " واجب لا نفي.
وكذلك قال بعض الناس في قوله - عليه السلام -:
" لا تتراءى ناراهما ": أن " لا " ردع، وما بعدها واجب.
لعمرى إن في لفظها إشارة لهذا المعنى، حيث كان بعد اللام فيها صوت
مديد ينقطع في أقصى الحلق، راجع إلى خلف مخارج الحروف، بخلاف
" لم " فإنها مشاركة لـ " لا " في " اللام " المفتوحة كما هي مشاركة لها في النفي. ثم فيها " الميم " وصوتها بين يدي الفم، ليكون هواء الكلمة إلى ما بعدها، ومعناها فيما يتصل بها لا فيما وراءها، كما كان ذلك جائزاً في " لا ".
والله أعلم.
ويؤيد هذا المعنى ويوضحه قلبهم لفظ الفعل الماضي بعد " لم " إلى لفظ
المضارع حرصاً على الاتصال، وصرفاً لوجه الوهم عن ملاحظة الانفصال.
فإن قيل: وما في لفظ المضارع مما يؤكد هذا المعنى؟
وليس هو والماضي سواء؟
قلنا: لا سواء لمن استبصر وأمعن في هذا الشأن، ونحر إلى هذه
المسألة وكثيراً من المسائل الواردة عليك على أصل التمهر، إلا أن ذلك فليس