للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن عدلوا في أكثر الكلام عنها إلى حرف (لم) ، لوجوه منها:

أنهم (قد) خصوا المستقبل بـ (لن) ، فأرادوا أن يخصوا كذلك الماضي في

النفي بحرف كما فعلوا بالمستقبل، لأن " لا "، لا تختص ماضياً من مستقبل في

النفي، ولا فعلًا دون اسم.

ووجه آخر، وهو أن " لا " يتوهم انفصالها مما بعدها، إذ قد تكون نافية لما قبلها ويكون ما بعدها في حكم الوجوب، مثل قوله تعالى:

(لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ) .

وحتى لقد قيل في قول عمر - رضي الله عنه -:

" لا نقضي ما تجانفنا فيه لإثم ":

أن " لاا " ردع لما قبلها، و " نقض " واجب لا نفي.

وكذلك قال بعض الناس في قوله - عليه السلام -:

" لا تتراءى ناراهما ": أن " لا " ردع، وما بعدها واجب.

لعمرى إن في لفظها إشارة لهذا المعنى، حيث كان بعد اللام فيها صوت

مديد ينقطع في أقصى الحلق، راجع إلى خلف مخارج الحروف، بخلاف

" لم " فإنها مشاركة لـ " لا " في " اللام " المفتوحة كما هي مشاركة لها في النفي. ثم فيها " الميم " وصوتها بين يدي الفم، ليكون هواء الكلمة إلى ما بعدها، ومعناها فيما يتصل بها لا فيما وراءها، كما كان ذلك جائزاً في " لا ".

والله أعلم.

ويؤيد هذا المعنى ويوضحه قلبهم لفظ الفعل الماضي بعد " لم " إلى لفظ

المضارع حرصاً على الاتصال، وصرفاً لوجه الوهم عن ملاحظة الانفصال.

فإن قيل: وما في لفظ المضارع مما يؤكد هذا المعنى؟

وليس هو والماضي سواء؟

قلنا: لا سواء لمن استبصر وأمعن في هذا الشأن، ونحر إلى هذه

المسألة وكثيراً من المسائل الواردة عليك على أصل التمهر، إلا أن ذلك فليس

<<  <   >  >>