١٥٥٧ - وَالدَّلِيل على بطلَان ذَلِك، أَن نقُول: من نفى حكما، لم تخل حَالَته فِيمَا نفى، إِمَّا أَن يكون جَاهِلا بِمَا نَفَاهُ، أَو مشككا، أَو عَالما بِهِ.
فَإِن كَانَ جَاهِلا بِمَا نَفَاهُ أَو مستريباً فِيهِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِقَامَة دلَالَة فِي إِثْبَات الريب وَالشَّكّ. إِذْ لَا تدل الْأَدِلَّة على الاسترابة، وَقد قدمنَا فِي صدر الْكتاب بِأَن الشُّبْهَة " لَا تَتَضَمَّن " الْإِفْضَاء إِلَى الْجَهْل وَالشَّكّ وغلبات الظنون وَلَكِن الْأَدِلَّة هِيَ الَّتِي تُؤدِّي إِلَى الْعلم بمدلولاتها.
فَهَذَا لَو زعم النَّافِي أَنه جَاهِل أَو مستريب.
وَإِن زعم أَنه عَالم بِمَا نَفَاهُ /، فالنفي مِمَّا يعلم كالإثبات، فَيُقَال لَهُ: للْعلم بالمعلوم طَرِيقَانِ: أَحدهمَا: الضَّرُورَة، وَالْآخر: الِاسْتِدْلَال.
فَإِن كنت تعلم نفي مَا نفيته ضَرُورَة، فَيجب أَن تشاركه فِيهِ، وَلَو سَاغَ ادِّعَاء، الضَّرُورَة فِي " نفي " المنفيات، سَاغَ ادعاؤها فِي إِثْبَات المثبتات. فتتعارض الْأَقْوَال، وَيسْقط الْجِدَال.
فَإذْ بَطل ادِّعَاء الضَّرُورَة فِي غير مَوْضِعه، فَلَا طَرِيق للْعلم بِالنَّفْيِ، إِلَّا الِاسْتِدْلَال، وَهَذَا مَا لَا محيص للخصم عَنهُ.
١٥٥٨ - ثمَّ نقُول: لَو صحت هَذِه الطَّرِيقَة، لصَحَّ أَن يُقَال: إِن من أنكر حدث الْعَالم، أَو جحد الصَّانِع، فَلَا تتَوَجَّه عَلَيْهِ طلبة بِإِقَامَة حجَّة! وَكَذَلِكَ من نفي صِفَات الله تَعَالَى، أَو نفي وجوده من الباطنية، وَفِي هَذَا اجتراء عَظِيم على أصُول الدّين.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute