ثمَّ نقُول: لم زعمتم أَن مَا كَانَ مصلحَة فِي حَقه كَانَ مصلحَة فِي حق غَيره؟ ألم تعلمُوا أَن الرتب تتباين، والمصلحة تخْتَلف باخْتلَاف الدَّرَجَات؟
وَالَّذِي يُوضح ذَلِك أَن الصَّلَاة مصلحَة فِي حق الطَّاهِر، مفْسدَة فِي حق الْحَائِض، وَلَو تتبعنا تفَاوت الْأَفْعَال فِي حق الْمُكَلّفين من الْأَحْرَار وَالْعَبِيد لطال، وَفِي التَّنْبِيه عَلَيْهَا غنية.
ثمَّ نقُول: لَو كَانَ العَبْد يتَمَثَّل أوَامِر سَيّده، ويتجنب مُخَالفَته، فَلَيْسَ من شَرط تَحْقِيق مُوَافقَة ومحاشاة مُخَالفَته أَن يفعل كل مَا يَفْعَله سَيّده، فَبَطل مَا قَالُوهُ وَتبين أَن إِظْهَار الْخلاف إِنَّمَا يتَحَقَّق فِي الْأَوَامِر دون الْأَفْعَال.
[٨٩٩] شُبْهَة أُخْرَى لَهُم - وَهِي عمدتهم - قَالُوا: لَو سَاغَ القَوْل بِأَن اتِّبَاعه فِي أَفعاله لَا يجب سَاغَ مثله فِي أَقْوَاله فَإِنَّهُ لَا فصل بَينهمَا.
قيل لَهُم: هَذِه دَعْوَى مُجَرّدَة، فَلم جمعتم بَينهمَا؟ فَلَا يرجعُونَ عِنْد التَّحْقِيق إِلَى طائل وَتَحْصِيل. ثمَّ نقُول: بِمَا تنكرون على من يَقُول أَن المعجزات دَالَّة على صدق الرَّسُول عَلَيْهِم السَّلَام، وَقبُول أَقْوَالهم، وَمَا يصدر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْأَوَامِر فَإِنَّمَا هُوَ فِيهَا مبلغ وَالْأَمر لله / تَعَالَى. فَفِي رد [١٠١ / ب] أَقْوَاله تسبب إِلَى رد قَضِيَّة المعجزة، وإفصاح برد النُّبُوَّة، وَلَا يتَحَقَّق مثل ذَلِك فِي الْأَفْعَال، فَإِن المعجزة لَا تدل على وجوب اتِّبَاعه فِي جملَة أَفعاله، إِذْ المعجزة لَا تدل إِلَّا على الصدْق، وَالْأَفْعَال لَا صِيغ لَهَا، وايضا فَإِن فعله مُخْتَصّ بِهِ وَلَيْسَ فِيهِ اقْتِضَاء تثبيت مثله فِي حق غَيره، وَأما أَقْوَاله فمتعلقة فِي مقتضاها بالمكلفين، فافترق البابان ثمَّ نقُول: قد بَينا أَن فعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute