قيل لَهُم: الْوُجُوب ينعَت بالْحسنِ، كَمَا ينعَت النّدب، فَلم كُنْتُم بِالْحملِ على النّدب أولى من غَيْركُمْ إِذا حملوه على الْوُجُوب؟
[٨٩٧] فَأَما وَجه الرَّد على الْقَائِلين بِالْوُجُوب فيداني وَجه الرَّد على الَّذين سبقوا، فَإنَّا نقُول فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَنْقَسِم، فَمِنْهُ الْوَاجِب، وَمِنْه الْمُبَاح، ولندب، وَلَيْسَ فِيمَا يصدر عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يتَضَمَّن إِيجَابا علينا عقلا، فَإِن الْعقل لَا يَقْتَضِي تعين جِهَة على التَّخْصِيص مَعَ تقَابل الجائزات وتماثل الِاحْتِمَالَات، وَلَيْسَ فِي نفس الْفِعْل الصَّادِر مِنْهُ مَا يُوجب الْإِقْدَام على مثله عقلا، وكل مَا يتمسكون بِهِ من الْأَدِلَّة السمعية فَلَا مستروح فِي شَيْء على مَا سنقرر وُجُوه التفصي عَمَّا يعتصمون.
[٨٩٨] شُبْهَة الْقَائِلين بِالْوُجُوب. فَإِن قَالُوا: كل مَا يصدر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فنعلم أَنه مصلحَة لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ متعبد بِهِ، وَمَا كَانَ مصلحَة لغيره، وَيجب على الْمَرْء تتبع مَصَالِحه.
وَهَذَا واه جدا من أوجه: مِنْهَا: أَن نقُول: من سوغ الصَّغَائِر على الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام لم يسلم مَا ادعيتموه، وَوجه الْمَنْع فِيهِ بَين.