خَصْلَتَيْنِ رجعت إِلَى بلدي وَاجْتمعت بوالدي وَعمر بعد ذَلِك زَمَانا طَويلا واشتغل بالإفتاء من سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة بعد وَفَاة شَيْخه أبي الْعَبَّاس الطبنداوي وَكَانَ يَقُول أَرْجُو ان ألْقى الثَّالِثَة وَمَا ذَلِك على الله بعزيز
وَلما مَاتَ شَيْخه الْمَذْكُور تصدر للتدريس والإفتاء اسْتِقْلَالا وصنف ودرس الْفِقْه بالجامع الْكَبِير بزبيد بمدرسة الوهابية والأشرفية والوثاقية من مدارس زبيد وَله تدريس الحَدِيث بِجَامِع الباشا مصطفى النشار بزبيد أَيْضا وَكَانَ من الْفقر على جَانب عَظِيم بِحَيْثُ لَا يملك إِلَّا شَيْئا يَسِيرا من الْكتب وَكَانَ غَالب أوقاته كَمَا كَانَ يخبر عَن نَفسه انه يصبح وَلَيْسَ عِنْده قوت يَوْمه وَهُوَ مَعَ ذَلِك لَا يتْرك التدريس وَيسْعَى بعد تَمام الدَّرْس فِي تَحْصِيل قوت يَوْمه وَأخْبر رَضِي الله عَنهُ أنارأته وضعت لَيْلَة وَلم يكن عِنْده مِمَّا يعْمل لذات النّفاس ولولدها حَتَّى عجز عَن الْمِصْبَاح فِي تِلْكَ اللَّيْلَة وَبَاتُوا كَذَلِك وَكَانَ تدريسه عَن تَحْقِيق ومباحثه فِي نِهَايَة التدقيق لَا يقْعد للتدريس حَتَّى يطالع الْكتب المبسوطة كالوسيط وَالْخَادِم والكوكب الْوَقَّاد وحاشية السمهودي وَالرَّوْضَة وَقد يقْعد أَيَّامًا يعْتَذر عَن التدريس لعدم المطالعة وطريقته انه يجمع الدرسة على درس وَاحِد من أول النَّهَار إِلَى مُضِيّ ربعه يذكر الدَّلِيل وَالْعلَّة وَمَا تفهمه الْعبارَة ومايرد ليه وَمن وَافق وَمن خَالف فِي المصنفات والفتاوي والنكت والحواشي وتحضر فِي التدريس الْكتب المبسوطة تورد عَلَيْهِ الطّلبَة الابحاث والاشكالات فَمَا رأى من صَوَاب قَرَّرَهُ وَمَا لَا فَلَا وَيطول الْمجْلس بالمشاطرة بَين تلامذته فِي الابحاث عَن الْقَوَاعِد وعبارات الْأَصْحَاب وَرُبمَا كَانَ يجلس من أَوله إِلَى آخِره على مَسْأَلَة وَاحِدَة وَرُبمَا قَامَ الشَّيْخ من مَجْلِسه وأشكال الْمَسْأَلَة مَا ارْتَفع فيحله فِي مجْلِس آخر لِأَنَّهُ كَانَ وقافا عِنْد الاشكالات وَرُبمَا تمر ايام فِي تَحْقِيق مَسْأَلَة وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة تدريس الْمَذْهَب لَا كتاب لِأَنَّهُ كَانَ يَقُول رَحمَه الله أَنا ادرس الْمَذْهَب لَا كتاب
وَكَانَ تدريسه فِي الْأُسْبُوع السبت والأحد وَالثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء وَله درس فِي الحَدِيث بمنزله بعد صَلَاة الْعَصْر جَمِيع الْأُسْبُوع لم يتْرك غير عصر الْجُمُعَة وَختم عَلَيْهِ فِي ذَلِك الْمجْلس كتب عديدة من التفاسير والْحَدِيث