للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(فأما قول بعضهم: زبردج فَقَلْبٌ لَحِق الكلمة ضرورة في بعض الشعر ولا يقاس) فدلَّ ذلك على استكراههم ذوات الخمس لإفراط طولها فأوجبت الحالُ الإقلالَ منها وقَبْضَ اللسان عن النُّطْق بها إلا فيما قلَّ ونَزُر ولما كانت ذوات الأربعة تليها وتتجاوز أعدل الأصول - وهو الثلاثي - إليها مسَّها بقُرْبها منه قلةُ التصرف فيها غيرَ أنها في ذلك أحسنُ حالا من ذواتِ الخمسة لأنها أدنى إلى الثلاثة منها.

وكان التصرُّفُ فيها دون تصرف الثلاثي وفوقَ تصرف الخماسي ثم إنهم لما أمسُّوا الرباعي طرفا صالحا من إهمال أصوله (وإعدام حال التمكن في تصرفه) تخطَّوا بذلك إلى إهمال بعض الثلاثي لا من أجل جفاء تراكيبه لتقارُبه (نحو سص وصس) لكن من قِبل أنهم حَذَوه على الرُّباعي كما حَذوا الرباعي على الخماسي ألأ ترى أن (لجع) لم يُهْمل لثِقله فإن اللام أخت الراء والنون وقد قالوا: نجع (فيه) ورجع (عنه واللام أخت الحرفين وقد أُهملت في باب اللجع) فدلَّ على أن إهمالَ (لجع) ليس للاستثقال بل لإخلالهم ببعض أصول الثلاثي لئلا يخلو هذا الأصلُ من ضَرْبٍ من الإهمال مع شِياعه (واطراده) في الأصلين اللذين فوقه كما أنهم لم يُخْلوا الخماسي من بعض تصرف بالتحقير والتكسير والترخيم فعُرِف أن ما أُهْمِل من الثلاثي لغير قُبْحِ التأليف نحو: (ضث) و (ثض) و (ثذ) و (ذث) إنما هو لأن محله من الرباعي محلُّ الرباعي من الخماسي فأتاه ذلك القَدْر من الجمود من حيث ذلك كما أتى الخماسي ما فيه من التصرف (في التكسير والتحقير والترخيم) من حيث كان محله من الرباعي محلَّ الرباعي من الثلاثي وهذه عادةٌ للعرب مألوفة وسنّةٌ مسلوكة إذا أعطوا شيئا من شيء حُكْماً ما قابلوا ذلك بأن يُعْطُوا المأخوذ منه حكما من أحكام صاحبه أمارة بينهما وتتميما للشَّبَه الجامع لهما (ألا تراهم لما شبهوا الاسم بالفعل فلم يصرفوه كذلك شبهوا الفعل بالاسم فأعربوه) .

وإذ قد ثبت أن الثلاثي في الإهمال محمولٌ على حكم الرباعي فيه لقُربه من الخماسي (بقي علينا أن نورد العلة) التي لها استعمل بعض الأصول من الثلاثي والرباعي والخماسي دون بعض.

وقد كانت الحالُ في الجميع متساوية.

فنقول: اعلم أن واضعَ اللغة لما أراد صَوْغَها وترتيبَ أحوالها هجَم بِفِكره على جميعها ورأى بعين تَصَوِّره وجوه جُمَلها وتفاصيلها فعلِم أنه لا بد من رفْض ما

<<  <  ج: ص:  >  >>