للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أما التواتر فالإشكال عليه من وجوه:

أحدُها - أنَّا نجدُ الناسَ مختلفين في معاني الألفاظ التي هي أكثرُ الألفاظِ تداوُلاً ودَوَرَاناً على ألْسِنَة المسلمين اختلافا شديدا لا يمكنُ فيه القَطْعُ بما هو الحقُّ كلَفْظة (الله) فإن بعضَهم زعم أنها عِبْرية وقال قومٌ: سُرْيانية والذين جعلوها عربية اختلفوا: هل هي مشتَقَّة أو لا والقائلون بالاشتقاق اختلفوا اختلافا شديدا ومن تأمَّل أدلَّتهم في ذلك علم أنها مُتعَارِضة وأنَّ شيئا منها لا يُفيد الظنَّ الغالب فَضْلاً عن اليقين.

وكذلك اختلفوا في لَفْظ الإيمان والكُفْر والصَّلاة والزكاة فإذا كان هذا الحال في هذه الألفاظ التي هي أشهرُ الألفاظ والحاجةُ إليها ماسَّة جدا فما ظنك بسائر الألفاظ وإذا كان كذلك ظهر أن دَعْوَى التواتر في اللُّغة والنَّحْو متعذّرٌ.

وأُجيب عنه بأنه وإن لم يُمْكِن دَعْوى التواتر في معانيها على سبيل التَّفصيل فإنَّا نعلمُ معانَيها في الجملة فنعلم أنهم يطلقون لفظة الله على الإله المعبود بحق وإن كنا لا نعلمُ مُسَمَّى هذا اللفظ أَذَاته أم كونه معبودا أم كونه قادرا على الاختراع أم كونه مَلْجَأ للخَلْق أم كونه بحيث تتحيَّر العقول في إدْراكه إلى غير ذلك من المعاني المذكورة لهذا اللفظ وكذا القولُ في سائر الألفاظ.

الإشكال الثاني - أن من شَرْط التواتر استواءَ الطَّرَفين والواسطة فهَبْ أنَّا علمنا حصول شرط التواتر في حفاظ اللغة والنَّحْو والتصريف في زماننا فكيف نعلمُ حصولها في سائر الأزمنة وإذا جهلنا شَرْط التواتر جهلنا التواتر ضرورة لأن الجهلَ بالشرط يوجب الجهلَ بالمشروط.

فإن قيل: الطريق إليه أَمْران:

أحدهما - أن الذين شاهَدْناهم أخبرونا أن الذين أخبرُوهم بهذه اللغات كانوا موصوفين بالصفاتِ المُعتَبَرَةِ في التواتر وأن الذين أخبروا مَنْ أَخْبَروهم كانوا كذلك إلى أن يتَّصل النَّقْل بزمان الرسول صلى الله عليه وسلم.

والآخرُ - أن هذه لو لم تكن موضوعة لهذه اللغات ثم وضَعَها واضعٌ لهذه المعاني لاشتهَر ذلك وعُرِف فإن ذلك مما تَتَوَفَّر الدَّواعي على نَقْلِه.

قلنا: أما الأول فغيرُ صحيح لأنَّ كلَّ واحد منَّا حين سمع لغة مخصوصة من إنسانٍ فإنه لم يسمع منه أنه سَمِعه من أهل التواتر وهكذا بل تحرير هذه الدعوى

<<  <  ج: ص:  >  >>