للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذكره مَعَ اسْتِعْمَال كل جارحة لَا مَعَ كل حَرَكَة وَذَلِكَ الْجَوَارِح السَّبع الكواسب للخير وَالشَّر وَهِي السّمع وَالْبَصَر وَاللِّسَان وَالْيَد والقدم والبطن والفرج فَإِذا ذكرنَا مَعَ تَحْرِيك كل جارحة بِخَير فَرضِي بِهِ ذَكرْنَاهُ بِنِعْمَة تِلْكَ الْجَارِحَة علينا فَهَذَا ذكر يترقى بِهِ العَبْد دَرَجَات حَتَّى يبلغ منَازِل المقربين الَّذين يَدُوم ذكرهم على كل حَال لِأَن قُلُوبهم قد ملكتها عَظمَة الله عز وَجل وسبتها محبته وَأما من دونهم فَإِذا حرك جارحة من هَذِه الْجَوَارِح السَّبع بِتِلْكَ الْحَيَاة الَّتِي فِيهَا فَإِنَّمَا يحركها بِالْقَلْبِ وَالْقلب أَمِير وَذَلِكَ التحريك مِنْهُ اسْتِعْمَال لَهَا فَإِذا قصد الْخَيْر فَإِنَّمَا يقْصد ذكر الله وإياه أَرَادَ وَإِذا قصد الشَّرّ بِمَا دَعَاهُ إِلَيْهِ للهوى والشهوة فقد حاد عَن الله تَعَالَى وَاسْتعْمل إمارته فِي طَرِيق الْجور فجار على جوارحه وظلم نَفسه حَيْثُ أرادها وَأوجب لَهَا النَّار وحرمها ثَوَاب الله

والحركات الَّتِي ذكرنَا أَولا الَّتِي خرجت من أَرْكَانه من غير اسْتِعْمَال لَهَا بِقَلْبِه مَعَ كل نفس وَمَعَ كل طرفَة لَا تبعة عَلَيْهِ فِيهَا لِأَنَّهَا حركات الْحَيَاة لَيْسَ فِيهَا أَمر وَلَا نهي مثل نظرة الْفجأَة لِأَن عَيْنَيْك مفتوحتان فَلَيْسَ عَلَيْك تبعة فِي وُقُوع بَصرك على الْأَشْيَاء الَّتِي ترَاهَا بِأول النظرة حَتَّى تستعمله بقلبك وَكَذَلِكَ تقلبك فِي مَقْعَدك من قبض يَد وَبسط واتكاء واحتباء وَأَشْبَاه ذَلِك هَذَا مِمَّا لَا يمْتَنع مِنْهُ الْآدَمِيّ من الحركات فَإِن ظَهرت مِنْك فِي سَاعَات تمر بك فَإِن كَانَ قَلْبك غافلا عَن الله كَانَت خدمَة قد فاتتك وثواب ضَاعَ عَنْك الْمُنعم يجْرِي عَلَيْك رزقه ويذكرك بادرار نعمه عَلَيْك وَقد ضيعت فِي ذَلِك الْوَقْت الْخدمَة فَهُوَ فِي ذكرك وَأَنت عَنهُ فِي غفلتك فَإِن لم تتبع بالتبعات لحقتك الْحَسْرَة الَّتِي قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا يتحسر أهل الْجنَّة فِي الْموقف لَا فِي الْجنَّة لما عرضت عَلَيْهِم أَيَّام الدُّنْيَا وماذا خرج لَهُم من ذكر الله تَعَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>