وَكَذَا فَوقف بَين يَدي الله قَائِما على المَاء شاخصا ببصره إِلَى السَّمَاء وَهُوَ يَقُول يَا رب إِن أَنْت أهنت عَبدك الْخضر بعد كرامته فَمن يُكرمهُ يَا رب ارْتكب عَظِيما وَحمل ثقيلا وخان نَفسه وَنسي الْعَهْد يَا من لَا ينسى كل مَا كَانَ وَيكون من أَمر عباده أذكر عِنْد ذنُوب الْخضر مَا مننت بِهِ عَلَيْهِ من أَنْوَاع طَاعَتك وعظيم عِبَادَته إياك يَا من نَاصِيَة الْخضر بِيَدِهِ يَا من لَيْسَ لَهُ حراك نفس وَلَا عصمتها وَلَا طرفَة عين إِلَّا بِأَمْرك ومشيئتك وقدرتك يَا رب فَاغْفِر لَهُ مَا قدرت عَلَيْهِ من معصيتك وَقدر عَلَيْهِ طَاعَتك فَإِنَّهَا تذْهب معصيتك يَا رب فَاسْتَجَاب الله لَهُ وخلص الْخضر مِمَّا كَانَ ابْتُلِيَ بِهِ من الْعقُوبَة
قَالَ فَرفع الْخضر رَأسه وأتى من سَاعَته سادون وَهُوَ يَقُول يَا سادون الْمَمْنُون عَليّ بمنة الله وجلاله أَيْن عَرفتنِي وَلم أعرفك يَا أخي فَقَالَ لَهُ سادون يَا خضر إِن قُلُوب أَوْلِيَاء الله زاهرة نائرة لَهَا شُعَاع كشعاع الشَّمْس تطلع على قُلُوب أَوْلِيَاء الله أَلا ترى إِلَى الشَّمْس مَا أعظم قدرهَا وَأكْثر ضوءها فَلَو غشيتها الظلمَة القليلة لأذهبت بِأَكْثَرَ ضوئها وَكَذَلِكَ قلب ولي الله صَاف طَاهِر فَلَو غشيه حب الدُّنْيَا بِقدر ذرة لأكدر ضوءها ولأضعف شعاعها فَإِذا خلص الْقلب من حب الدُّنْيَا ترَاهُ ينظر إِلَى أَوْلِيَاء الله فِي مظانهم وَقد عرفك قلبِي فو الله لَو كَانَ قَلْبك للدنيا مثل قلبِي لعرفني قَلْبك كَمَا عرفك قلبِي فَقَالَ لَهُ الْخضر يَا سادون وَكَيف قَلْبك للدنيا
قَالَ بلغ من بغض الدُّنْيَا مَا لَو أَن الله تَعَالَى عرض عَليّ الدُّنْيَا وَالْجنَّة لأبيت قبولهما وَلست أُرِيد الْجنَّة مَعَ مَا أبغضها الله وَذَلِكَ أَنِّي أُؤْثِر رِضَاء الله على رضائي فَإِن رِضَاء الله ترك الدُّنْيَا ورضائي دُخُول الْجنَّة وَلَو أَن الله خيرني بَين أَن أبقى فِي الدُّنْيَا وَنَعِيمهَا خَالِدا مخلدا أبدا لَا أَمُوت فِيهَا وَبَين أَن يقبضني ويدخلني النَّار السَّاعَة لاخترت أَن يقبضني ويدخلني النَّار السَّاعَة وَذَلِكَ أَنِّي أُؤْثِر سخطي على سخط الله تَعَالَى وَأَن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute