فَهَذَا يُحَقّق مَا قُلْنَا بدءا فقد صير فِي حَدِيثه الْقَتِيل وَالَّذين مَاتُوا على فرشهم بِمَنْزِلَة وَسَمَّاهُمْ شُهَدَاء يعلمك أَن الشَّهَادَة لَيست على الْقَتْل حدثت إِنَّمَا اسْم الشَّهَادَة لَزِمَهُم لما وَصفنَا والكرامة نالوها من أجل أَنهم رفضوا الْحَيَاة وآثروا لِقَاء الله وأرادوه فأرادهم وَكَذَلِكَ الَّذِي لَا يزَال على وضوء أَيَّام الدُّنْيَا لِأَن الله تبَارك وَتَعَالَى قَالَ {وأنزلنا من السَّمَاء مَاء طهُورا} أَي فعولًا للطهر {لنحيي بِهِ بَلْدَة مَيتا}
فالأرض تحيا بذلك المَاء وتنبت والآدمي خلق من الأَرْض فَإِذا أذْنب مَاتَ قلبه عَن الله على قدر ذَنبه فَإِذا تَوَضَّأ كَانَ ذَلِك المَاء الَّذِي أنزلهُ طهُورا يطهرجوارحه ويزيل عَنهُ الْمعاصِي فَيَعُود الْقلب إِلَى الْحَيَاة الَّتِي كَانَت فَإِذا دَامَ وضوؤه وتتابع كَانَت حَيَاة قلبه دائمة فَإِذا دَامَت حَيَاة قلبه تمنى الْمَوْت وَلذَلِك قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيثه لأنس إِن حفظت وصيتي فَلَا يكون شَيْء أحب إِلَيْك من الْمَوْت
عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر عِنْده الشُّهَدَاء فَقَالَ إِن أَكثر شُهَدَاء أمتِي أَصْحَاب الْفرش وَرب قَتِيل بَين صفّين الله أعلم بنيته
عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ من أحد إِلَّا وَله كرائم من مَاله يَأْبَى بهم الذّبْح فَإِن لله تَعَالَى خلقا من خلقه يَأْبَى بهم الذّبْح أَقوام يَجْعَل مَوْتهمْ على فرشهم وَيقسم لَهُم أجور الشُّهَدَاء