فالطبائع تَتَغَيَّر بحدوث الْأَزْمِنَة من الْحر وَالْبرد وَفَسَاد الْهَوَاء فَيصير دَاء فِي الأجساد وتحدث فِي الْجَسَد الْأَحْدَاث من الطّعْم وَمَا يتعاطاه ابْن آدم من قَضَاء الشَّهَوَات وَاللَّذَّات وَالنّصب والسهر والتعب والهموم وَمَا يجْتَمع فِي الْجَسَد من الدَّم والمرة والبلغم وكل ذَلِك يحدث مِنْهُ مَا يتَغَيَّر حَاله فَيحْتَاج إِلَى دَوَاء يسكن مِنْهُ مَا هاج فَهَذَا تَدْبِير الْجَسَد فَإِذا ترك تَدْبيره ضيعه كَمَا لَو ترك تَدْبِير المعاش ضَاعَ فالتداوي حق وَهُوَ فعل الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَقدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة وهم يُلَقِّحُونَ النّخل فَقَالَ مَا أرى يُغني هَذَا شَيْئا فَذَهَبت عَامَّة ثمارهم وَصَارَت دفلا فَعرف أَن التَّدْبِير من الله تَعَالَى فِي ذَلِك غير مَا رأى فَأَمرهمْ أَن يعودوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فَكَذَا وضعت علل الأجساد أَن تعالج حَتَّى ترد إِلَى الْهَيْئَة الَّتِي كَانَت عَلَيْهَا وَلَوْلَا ذَلِك لكَانَتْ الْأَدْوِيَة مُهْملَة وَلم يخلقها الله تَعَالَى عَبَثا وَكَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام تنْبت فِي محرابه كل يَوْم شَجَرَة ثمَّ تناديه الشَّجَرَة أَنا دَوَاء لكذا فتقطع وتوضع فِي ديوَان الطِّبّ فعامة الطِّبّ إِنَّمَا ورثوه من تِلْكَ الْكتب
فَالنَّاس فِي التَّدَاوِي على ثَلَاث طَبَقَات
فالطبقة الأولى هم الْأَنْبِيَاء والأولياء عَلَيْهِم السَّلَام أهل يَقِين ومشاهدة يتداوون وَقُلُوبهمْ مَعَ خَالق الدَّوَاء الَّذِي جعل الشِّفَاء فِي ذَلِك الدَّوَاء فهم يتداوون على مَا هيأ لَهُم من التَّدْبِير وينتظرون الشِّفَاء من الله تَعَالَى وَقُلُوبهمْ خَالِيَة عَن فتْنَة الدَّوَاء
والطبقة الثَّانِيَة هم أهل الْيَقِين لم يأمنوا خِيَانَة نُفُوسهم أَن تطمئِن إِلَى الدَّوَاء وتركن إِلَيْهِ فيفروا من ذَلِك فَكلما عرض لَهُم دَاء فَوضُوا الْأَمر فِي ذَلِك الى الله تَعَالَى وتوكلوا عَلَيْهِ وَلم يتكلفوا تداويا وَتركُوا التَّدَاوِي من ضعف يقينهم خوفًا على قُلُوبهم أَن تطمئِن نُفُوسهم الى الدُّنْيَا فَيصير سَببا يتَعَلَّق بِهِ قُلُوبهم وَالْأول أَعلَى وَأقوى