من لَقِي الله بِلِسَان صَادِق وعامل النَّاس بِحسن الْخَلَائق وألزم نَفسه رعي العهود والمواثق فقد أرْضى الْمَخْلُوق والخالق وَأدْركَ بِهِ الْفضل كل سَابق
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة من غَرِيب الْمَنْقُول فِي حفظ الْعَهْد حكايتان
الْحِكَايَة الأولى يرْوى عَن بعض الْمُلُوك أَنه كَانَ لَهُ يَوْم بؤس إِذا خرج فِيهِ وَلَقي أحدا على صفة يكرهها حَبسه أَيَّامًا ثمَّ يَأْمر بِضَرْب عُنُقه فَخرج يَوْمًا فلقي رجلا لم يكن لَهُ علم بِشَأْنِهِ على الصّفة الَّتِي كَانَ ينكرها فَأمر بحبسه وَأعلم الرجل بِالْأَمر فَحَمدَ الله وَسلم لَهُ قدره فَلَمَّا قرب الْأَمر كتب الْملك يرغب فِي تخلية سَبيله ليودع أَهله ويوصي فِي مَاله فَأحْضرهُ وَقَالَ لَهُ هَذَا أَمر لَا يكون إِلَّا بضامن من آخذه بِمَا أطلبك بِهِ فَنظر الرجل بالحاضرين يَمِينا وَشمَالًا يَده إِلَى رجل فِي الْمجْلس وَقَالَ هَذَا يضمنني فَقَالَ لَهُ الْملك أتضمنه وَقد عرفت مَا يُرَاد بِهِ فَقَالَ نعم فَقَامَ بحبسه مَكَانَهُ ونهض الْمَضْمُون إِلَى بَلَده فأوصى فِي مَاله وودع أَهله وَانْصَرف وَقد وَافق يَوْم تَمام الْمدَّة فَلَمَّا اسْتَأْذن على الْملك أَمر بإحضارهما مَعًا وَقَالَ للضامن مَا حملك على ضَمَانه والمخاطرة على نَفسك فِي شَأْنه وَلَو تَأَخّر سَاعَة لقتلتك مَكَانَهُ
قَالَ لَهُ أَيهَا الْملك مَا رَأَيْت وَقد وثق بِي أَن أخلف ظَنّه فِي فراجع الْمَضْمُون وَقَالَ لَهُ مَا حملك على الرُّجُوع وَأَنت قَادر على تخلصك وَقد علمت مَا يُرَاد بك قَالَ لم يكن يجمل فِي أَن أرَاهُ مَكَان الثِّقَة فيراني مَكَان الْغدر فَعجب الْملك من وفائهما جَمِيعًا وَعَفا عَنْهُمَا وَرفع ذَلِك الْيَوْم وَلم يَقْصِدهُ بعد
الْحِكَايَة الثَّانِيَة ذكر ابْن الْجَوْزِيّ فِي سلوة الأحزان أَنه لما أفضت الْخلَافَة إِلَى أبي الْعَبَّاس السفاح اختفى من بني أُميَّة إِبْرَاهِيم ابْن سُلَيْمَان ابْن عبد الْملك حَتَّى أَخذ لَهُ على بن دَاوُود أَمَانًا من أبي الْعَبَّاس السفاح
فَقَالَ لَهُ أَبُو الْعَبَّاس يَوْمًا أَخْبرنِي عَمَّا مر بك فِي اختفائك فَقَالَ كنت