للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلت هَذَا الْفَصْل سلك فِيهِ ابْن خلدون مسلكا غَرِيبا وَادّعى أَن اعمار الدول لَا تعدو فِي الْغَالِب عمر ثَلَاثَة اجيال والجيل عمر شخص وَاحِد على التَّوَسُّط وَهُوَ اربعون سنة مُنْتَهى النمو إِلَى غَايَته ومجموع ذَلِك مائَة وَعِشْرُونَ سنة الْعُمر الطبيعي للأشخاص على زعم الاطباء والمنجمين ثمَّ قرر ذَلِك بِمَا حَاصله

أَن الجيل الأول لم يزَالُوا على خلق البداوة وخشونتها من البسالة والاشتراك فِي الْمجد وَالصَّبْر على شظف الْعَيْش وَذَلِكَ حَافظ لسورة العصبية فَلَا يزَال جانبهم مرهوبا وَالنَّاس لَهُم مغلوبون

والجيل الثَّانِي يتحولون من البداوة إِلَى الحضارة وَمن الشظف إِلَى الترف وَمن الِاشْتِرَاك فِي الْمجد إِلَى انْفِرَاد الْوَاحِد بِهِ وكسل البَاقِينَ عَن السَّعْي فِيهِ وَمن عز الاستطالة إِلَى ذل الاستكانة فتنكسر من سُورَة العصبية وَتبقى لَهُم الْكثير من ذَلِك بِمَا ادركوا الجيل الأول وباشروا من أَحْوَالهم فِي سَعْيهمْ ثمَّ إِلَى الْمجد وتراميهم إِلَى الدفاع والحماية فَلَا يسعهم تَركه بِالْكُلِّيَّةِ رَجَاء فِي رُجُوع تِلْكَ الْأَحْوَال السالفة

والجيل الثَّالِث ينسون عهد البداوة كَأَن لم تكن ويبلغ الترف فيهم غَايَته وَتسقط مِنْهُم العصبية بِالْجُمْلَةِ ويعجزون عَن الحماية والمطالبة ويتلبسون بالشارة والزي وركوب الْخَيل وَحسن الثقافة وهم فِي الْأَكْثَر اجبن من النسوان على ظهروها فَإِذا جَاءَ المطالب لَهُم لم يقاموا مدافعته فيضطر صَاحب الدولة إِلَى الِاسْتِظْهَار بسواهم من أهل النجدة والاستكثار من اصطناع من يُغني عَن الدولة بعض الفناء حَتَّى يَأْذَن الله بانقراضها

قَالَ فَهَذِهِ ثَلَاثَة اجيال فَهِيَ تكون هرم الدولة إِلَّا أَن عرض عَارض من فقدان المطالب فَيكون الْهَرم حَاصِلا والمطالب لم يحضرها وَلَو جَاءَ لما وجد مدافعا فَإِذا جَاءَ اجلهم لَا يستأجرون سَاعَة وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>