أطلب من فضيلتكم إعطاء نصيحة للنساء اللاتي يأتين الحرم ويشتغلن بأمور الدنيا، ولا يتممن الصفوف؟
الجواب
نصيحة لهن وللرجال أيضاً: المساجد بنيت للصلاة وقراءة القرآن وما أشبه ذلك، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام:(إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك -ادع عليه بأن الله لا يربحه- فإن المساجد لم تبن لهذا) ، وقال:(إذا سمعتم من ينشد ضالة -يقول: من رأى الضالة- فقولوا: لا ردها الله عليك) لأن المساجد لم تبن لهذا، وقال للأعرابي الذي بال في جانبٍ من المسجد وقصته مشهورة: رجل أعرابي بدوي دخل مسجد النبي عليه الصلاة والسلام ووجد فيه فسحة واحتاج إلى البول، ما خرج يطلب مكاناً يبول فيه، قال: هذا مكان فسيح فجعل يبول في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا منكر، ولهذا زجره الصحابة، فنهاهم الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال:(لا تزرموه) أي: لا تقطعوا عليه بوله، دعوه يكمل، انتهى الأعرابي من البول ثم قال الرسول عليه الصلاة والسلام:(أريقوا على بوله ذنوباً من ماء) صبوا عليه ماء، وإذا صبوا عليه الماء يطهر، فزالت المفسدة، أما الأعرابي فدعاه وقال له:(إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيءٌ من القذر والأذى، إنما هي للصلاة والتكبير وقراءة القرآن) أو كما قال عليه الصلاة والسلام، انظر الحكمة! كلمه باللطف، قال الأعرابي:(اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً) أعرابي تَحَجَّرَ رحمة الله عز وجل؛ لأن محمداً صلوات الله وسلامه عليه خاطبه باللطف واللين وتركه حتى يقضي بوله، والصحابة رضي الله عنهم زجروه، فأراد أن تكون الرحمة له وللرسول، نعم لو قال:(اللهم ارحمني ومحمداً) فلا مانع، لكن (ولا ترحم معنا أحداً) يتحجر رحمة الله، سبحان الله! وفعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا من باب درء أعلى المفسدتين بأدناهما، يعني: إذا كان لابد من ارتكاب مفسدتين إحداهما أخف؛ ارتكب الأخف، بقاؤه يبول أخف، أولاً: لأجل أن ينحصر البول في مكانٍ واحد، ثانياً: لئلا يتضرر هذا الأعرابي بانقطاع بوله؛ لأن البول إذا كان مستعداً للخروج ثم منعه الإنسان فيه ضرر عليه، ولأن الأعرابي لو قام كاشفاً ثوبه بدت عورته وصار البول يترشرش حول المكان، ولو أسدل ثوبه لتنجس الثوب وكان هناك مفسدة، فلهذا كان درء أعلى المفسدتين بأدناهما من الأمور المقررة شرعاً.
وهذه أيضاً من الأمور التي ينبغي للإنسان أن ينتبه لها في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أقول: المساجد لم تبن إلا للصلاة والذكر، والتحدث فيها بأمور الدنيا إذا كان من باب البيع والشراء، وإنشاد الضالة، أو كان يشوش على الآخرين فإنه يمنع، وأما إذا كان ليس فيه بأس، وإنما هو كلامٌ مباح فهذا لا بأس به بشرط ألا يشوش، ولهذا كان الصحابة ينشدون الأشعار في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام.