[منهجية لطالب العلم المبتدئ]
السؤال
ما نصيحة فضيلتكم لمن بدأ بطلب العلم بِمَ يبدأ، وما الأهم فالأهم؟
الجواب
أنا عندي أن أهم شيء في طلب العلم أن يتعلم الإنسان تفسير كلام الله عز وجل؛ لأن كلام الله هو العلم كله، قال الله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل:٨٩] ، وكان الصحابة لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، فتعلموا القرآن والعلم والعمل جميعاً، هذا أهم شيء عندي، وعلى هذا فيبدأ الشاب ولاسيما الصغار من الشباب بحفظ القرآن، والآن حفظ القرآن ولله الحمد متيسر، في المساجد حلقات يحفظون القرآن وعليهم أمناء من القراء يحفظونهم القرآن.
ثم إنه بهذه المناسبة أود من إخواني الأغنياء أن يولوا أهتماماً بهذه الحلقات؛ في تشجيعهم مادياً ومعنوياً، وليعلموا أنهم إذا شجعوا تعليم القرآن فإن لهم مثل أجر المعلم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من جهز غازياً فقد غزا) ولأن الله قال: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:٢] ولم يأمرنا بالتعاون إلا لننال أجراً، لذلك أحث إخواني الأغنياء على دعم هذه الحلقات بالمال، سواء كان مالاً نقداً، أو كان عقارات توقف لهذه الحلقات تنفعه بعد موته، وأحث أيضاً القائمين على حلقات القرآن أحثهم على أن يهتموا بإنشاء ما يدر على هذه الحلقات في المستقبل؛ لأن التبرع المقطوع ينتهي، لكن إذا حرصوا على أن يؤسسوا منشأة من عمارات يؤجرونها، أو دكاكين، أو ما أشبه ذلك، كان هذا حماية لهذه الحلقات من التوقف في المستقبل.
بعد ذلك السنة النبوية لأنها مصدر التشريع الثاني، لا أقول الثاني بالترتيب المعنوي، لكن بالترتيب الذكري، وإلا فما ثبت في السنة كالذي ثبت في القرآن سواء بسواء؛ لأن الله يقول: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [النساء:١١٣] فليحفظ السنة.
ومن الكتب المختصرة في السنة عمدة الأحكام، مختصرة وهي أيضاً موثوقة؛ لأن جامعها رحمه الله جمع فيها ما اتفق البخاري ومسلم على إخراجه، ولم يشذ عن هذا القيد الذي تقيد به رحمه الله إلا في أحاديث يسيرة، وإذا ترقى الإنسان شيئاً ما فليحفظ بلوغ المرام؛ بلوغ المرام من أحسن ما ألف في الحديث؛ لأنه يذكر الحديث ويذكر مرتبته فيعطي الإنسان قوة وقدرة على معرفة مرتبة الحديث، وذلك لأن الحديث ليس كالقرآن الكريم، القرآن الكريم لا نحتاج إلى البحث في سنده، لماذا؟ لأنه ثابت ليس فيه إشكال بل هو متواتر، أما السنة فلا يتم الاستدلال بها إلا بأمرين: الأول: صحة الحديث.
والثاني: دلالة الحديث على الحكم المطلوب.
ولهذا إذا قال لك إنسان: هذا حرام، فنقول: ما الدليل؟ فإن قال: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كذا وكذا، تسلم ولا تقل: أثبت الدليل؟ أطالبك بصحة النقل، هات دليلاً على أن هذا ثابت عن الرسول؛ لأنه توجد أحاديث ضعيفة وكذلك أحاديث مكذوبة على الرسول عليه الصلاة والسلام: (حب الوطن من الإيمان) هذا حديث مشهور عند العامة والخاصة، ويقولون: هذا حديث صحيح: (حب الوطن من الإيمان) وليس بصحيح، هذا موضوع، ما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام.
(خير الأسماء ما حمد وعبد) يقول: هذا حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، سم ابنك أحمد، أو محمداً، أو حميداً، أو محمود، أو يقول: سم عبد الله، أو عبد الرحمن، أو عبد العزيز، أو عبد الوهاب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الأسماء ما حمد وعبد) وهذا ليس بحديث، ولا يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولا يجوز أن ينسب للرسول، لكن الثابت: (أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن) المهم أن السنة يحتاج المستدل بها إلى أمرين: الأمر الأول: نطالب المستدل بصحة الحديث.
ثانياً: هل هذا الحديث الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على الحكم أم لا؟ في القرآن لا نطالب المستدل بالآية على إثباتها؛ لأن القرآن ثابت بالنقل المتواتر تواتراً لفظياً يأخذه الصغير عن الكبير.
ذكرنا أولاً: نعتني بالقرآن حفظاً وتفسيراً.
ثانياً: بالسنة، ولكن السنة لابد أن نتثبت من صحة الحديث، إلا أنني أرشدتكم إلى كتابين أحدهما: عمدة الأحكام، والثاني: بلوغ المرام.
بعد ذلك في الفقه، الفقه استشر فيه المعلم المباشر؛ لأنك قد تتفقه على المذهب الشافعي مثلاً فهنا نأخذ بما ألفه الشافعية، وقد تتفقه على مذهب الحنابلة فخذ بما كتبه الحنابلة، وقد تتفقه على مذهب أبي حنيفة ومذهب مالك خذ من الكتب في هذه المذاهب ما يرشدك إليه المعلم المباشر، ولكن لاحظ أنك إذا تفقهت على مذهب من المذاهب فلا تتعصب لهذا المذهب، وتأخذ برخصه وعزائمه سواء وافقك الدليل أم خالفك؛ هذا حرام لا يجوز؛ لأن من أوجب الأخذ بقول أحدٍ غير الرسول عليه الصلاة والسلام فقد ضاد الرسول، إنما لا حرج أن يتفقه الإنسان على مذهب معين، ولكن حين تتفجر ينابيع المعرفة أمامه ويرتفع في العلم؛ فعليه أن يأخذ بما دل عليه الدليل ولا يتعصب لمذهبه.
بقي علينا في النحو، الذي يستطيع أن يحفظ ألفية ابن مالك فليحفظها؛ لأنها الخلاصة كما قال رحمه الله في آخرها: أحصى من الكافية الخلاصة؛ خلاصة النحو، ومن لم يستطع فما دون ذلك.
أما العقيدة فهناك كتب كثيرة في العقيدة أحسن ما رأيت من المتون المختصرة في العقيدة: العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أولها كله في إثبات الصفات بالآيات، وليس هو بكلام فلان وفلان، ثم في سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم ذكر كلاماً كثيراً في مسائل كثيرة في العقيدة في كتاب التوحيد، كتب التوحيد كثيرة ولله الحمد لكن من أحسنها كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فإنه من أحسن ما كتب في هذا الموضوع.