للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تفسير قوله تعالى: (وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً)

قال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً} [الزمر:٧١] يساقون سوق إهانة وإذلال كما قال تعالى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً} [الطور:١٣] يدفعون بعنف وشدة، ولا رأفة لهم ولا رحمة لهم -نعوذ بالله- يساقون إلى جهنم: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر:٧١] وهي تمثل لهم وكأنها سراب، والسراب: هو الذي يبدو للإنسان في البر وكأنه ماء ويعطشون عطشاً شديداً، ثم يسرعون إلى هذا السراب، كما قال تعالى: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً} [مريم:٨٦] يريدون أن يشربوا، فإذا جاءوا وإذا هي النار، تفتح أبوابها أمامهم ويدفعون فيها دفعاً: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} [الأعراف:٣٨] فيدفعون في النار فيذوقون الألم والعذاب في أجسامهم، ثم يوبخون ليذوقوا العذاب في قلوبهم.

{وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} [الزمر:٧١] مقررين ومقررين: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى} [الزمر:٧١] والهمزة هنا يقول علماء النحو: إنها للتقريب، فهي بمعنى الفعل الماضي، فمعنى: (ألم يأتكم) ؟ قد أتاكم، ونظيرها في المعنى قول الله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:١] أي: قد شرحنا لك صدرك، (ألم يأتكم رسل) من عند الله عز وجل، (منكم) من قومكم، من إنسانيتكم، ليسوا جناً أو ملائكة بل منكم، كل نبي يبعث إلى قومه، ومحمد عليه الصلاة والسلام بعث إلى سائر الناس، فهو من الناس باعتباره بشراً مثلهم (يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ) يقرءونها عليكم، يعلمونكم إياها، يبينونها لكم، (وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا) يعظونكم ويخوفونكم من هذا اليوم، وقد قامت عليكم الحجة، ولهذا يقرون، يقولون: (بلى) أتانا رسلٌ منا وأنذرونا لقاء يومنا هذا، ولكن: {وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الزمر:٧١] وإذا حقت كلمة العذاب على الكافرين فإنهم لا يؤمنون، كما قال جل وعلا: {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس:٣٣] في هذه الآية يقولون: حقت كلمة ربك، ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين، في آية أخرى أقروا بأنهم هم السبب: {قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ} [الملك:٩] إذاً: هم السبب في دخول النار؛ لأنها قد قامت عليهم الحجة؛ ولكنهم رفضوها والعياذ بالله.

<<  <  ج: ص:  >  >>