وقوله جل وعلا:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} يتبين أنه لابد من العلم، لماذا؟ لابد أن تعلم ما تدعو إليه أنه من شرع الله، فتعلم أولاً ثم ادع ثانياً، أما أن تدعو إلى سبيل الله وأنت لا تعلم سبيل الله فكيف يمكن هذا؟! ولهذا قال الله تعالى في آية أخرى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ}[يوسف:١٠٨] على علم، فلابد أن يكون الإنسان عالماً بما يدعو إليه، وأنه حق ومن شريعة الله.
أما مجرد أن ينقدح في ذهنه أن هذا حق بدون دليل شرعي فإنه لا يجوز أن يتكلم، لأن الله يقول:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}[الإسراء:٣٦] ، ويقول الله جل وعلا:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}[الأعراف:٣٣] لابد أن يكون الإنسان عالماً بالشرع، فلو رأيت إنساناً يصلي ولكنه لا يطمئن في صلاته، يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم يسجد بدون أن يطمئن، هل يصح أن تقول له: إن صلاتك باطلة بدون علم؟ لا يصح؛ لأنه كيف تدعو إلى شيء لا تدري عنه؟ لكن إذا كنت تعلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال للذي كان يصلي ولكنه لا يطمئن، قال:(ارجع فصلِ فإنك لم تصلِ) حينئذٍ يكون عندك دليل ويمكن أن تدعو إلى الله.
لابد أيضاً أن يكون عالماً بحال المدعو، وإلا فلا يجوز أن يتكلم، لابد أن تكون عالماً بحال المدعو وأنه يحتاج إلى دعوة، وأنه ممن عنده علم أو ممن ليس عنده علم، ودليل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ معاذ وقد بعثه إلى أهل اليمن، قال:(إنك تأتي قوماً أهل كتاب) لماذا أخبره بحالهم؟ من أجل أن يعرف كيف يخاطب هؤلاء؛ لأن خطاب العالم ليس كخطاب الجاهل، خطاب العالم لابد أن يكون عندك قدرة على مجادلته، إذ إن العالم الذي كان على باطل لا يمكن أن يقبل أو يستقبل الدعوة بسهولة؛ لأن عنده علماً، فتجده عندما تدعوه إلى الحق يجادل لإبطال الحق وإحقاق الباطل الذي كان عليه، فلابد أن تعلم لو أنك أردت أن تدعو نصرانياً إلى الدين الإسلامي يحتاج أن تعرف أنه نصراني وأن عقيدته التثليث مثلاً، يقول: إن الله ثالث ثلاثة، فيحتاج أن تعرف كيف ترد عليه فيما لو احتج عليك بباطل وإلا لهزمت، وهزيمة الداعي إلى الله عز وجل والذي بنى دعوته على غير علم هذه مصيبة، ليست مصيبة عليه وحده بل مصيبة على ما يدعو إليه من الدين، فلابد أن تكون عالماً بحال المدعو.
انظروا إلى قصة الرجل الذي دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فجلس، هل دعاه الرسول عليه الصلاة والسلام إلى أن يصلي ركعتين قبل أن يعلم حاله؟ لم يدعه حتى علم بحاله، ووجه ذلك أن الرجل لما دخل جلس فقال له:(أصليت؟ قال: لا، قال: قم فصل ركعتين) .
إذا وجدت إنساناً يأكل في رمضان هنا في المدينة هل أنكر عليه من أول الأمر؟ لا أنكر عليه حتى أقول: أمسافر أنت؟ أو أنت ممن يحل له الفطر؟ لكن لو وجدت شخصاً من أهل البلد أعرف أنه من أهل البلد وأنه لا عذر له في الفطر فحينئذٍ أنكر عليه، أذكره لعله نسي، وعجباً من بعض العامة يقولون: إذا رأيت إنساناً يأكل في رمضان فلا تذكره لماذا؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:(من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) ما دام الله أطعمه وسقاه لا تحرمه، لا تقطع رزقه، دعه يأكل ويشرب، وهذا غلط، الواجب أن يذكر المؤمن أخاه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: لما سها في صلاته، قال:(إنما أنا بشرٌ مثلكم أنسى كما تنسون؛ فإذا نسيت فذكروني) فيجب على المؤمن أن يذكر أخاه، وهذا من باب التعاون على البر والتقوى، أما قوله: هذا رزق ساقه الله إليه دعه يأكل ويشرب، هذا غلط.