قال تعالى:{قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ}[الزمر:٧٢](قيل ادخلوا) الفاعل هنا لا يعلم؛ لأن الفعل هنا مبنيٌ لما لم يسم فاعله، فمن القائل؟ يحتمل أن القائل هو الله، ويحتمل أن القائل هم الملائكة:{قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا}(أبواب) جمع باب، وعدد أبواب جهنم سبعة، والدليل على أن أبواب النار سبعة:{وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ}[الحجر:٤٣-٤٤] فيدخلون أبواب جهنم داخرين، صاغرين ذليلين -والعياذ بالله- على أخس ما يكون، حتى إن الرب عز وجل مع كمال رحمته ورأفته إذا قالوا:{رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ}[المؤمنون:١٠٧] ماذا يقول؟ {قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ}[المؤمنون:١٠٨] وهذا أشد شيء عليهم أن يقول لهم الرب عز وجل: {اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} اندحروا، كونوا أذلاء ولا تكلمونِ، فحينئذٍ ييأسون من كل خير، نسأل الله العافية وأن ينجينا وإياكم من عذاب النار.
قوله تعالى:{خَالِدِينَ فِيهَا}[الزمر:٧٢] هل هذا الخلود أبدي أو أمدي؟ والأمدي: هو الذي يكون إلى مدة معينة، والأبدي: الدائم فلا نهاية له.
القول الراجح الذي لا ينبغي العدول عنه: أن أهل النار مخلدون فيها أبد الآبدين: {لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ}[الزخرف:٧٥] ، حتى إنهم يقولون:{ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ}[غافر:٤٩] ما قالوا: يرفع عنا العذاب يوماً واحداً، قالوا: يخفف، ولكن لا يجابون ولا يطاعون، إذاً: هم خالدون فيها أبد الآبدين، والدليل ثلاث آيات من كتاب الله، فقد قال الله تعالى في سورة النساء:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً}[النساء:١٦٨-١٦٩] هذا نص صريح.
وقال تعالى في سورة الأحزاب:{إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً}[الأحزاب:٦٤-٦٥] .
وقال تعالى في سورة الجن:{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً}[الجن:٢٣] .
وإذا كان الله عز وجل قال ذلك في كتابه في ثلاث آيات من كتاب الله فلا عدول لنا عن ذلك إطلاقاً.
فإن قال قائل: ماذا نجيب عن قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}[هود:١٠٧] ؟ قلنا: الجواب عن هذا: أن قوله: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ}[هود:١٠٧] يعني: أن مكوثهم كان بمشيئة الله، ولا يمكن أن نثبت حكم هذه الآية التي فيها احتمال آخر وندع آيات فيها التصريح بالتأبيد.