للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أظْهركُم نورا تهتدون بِهِ، هدى الله مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِن أَبَا بكر صَاحب رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَانِي اثْنَيْنِ وَأَنه أولى النَّاس بأموركم، فَقومُوا، فَبَايعُوهُ.

ثمَّ الْمُحدث بعد ذَلِك أولى النَّاس بالخلافة، وَذَلِكَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقتدوا باللذين من بعدِي أبي بكر، وَعمر "، وَقَوله تَعَالَى:

{وَالَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ وَصدق بِهِ أُولَئِكَ هم المتقون} .

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لقد كَانَ فِيمَن قبلكُمْ محدثون فَإِن يكن فِي أمتِي أحد فعمر ".

وَمن الْأَحْوَال الْمُتَعَلّقَة بِالْعقلِ التجلي قَالَ سهل: التجلي على ثَلَاثَة أَحْوَال: تجلي ذَات وَهِي المكاشفة، وتجلي صِفَات الذَّات، وَهِي مَوَاضِع النُّور، وتجلي حكم الذَّات وَهِي الْآخِرَة وَمَا فِيهَا.

فَمَعْنَى المكاشفة غَلَبَة الْيَقِين حَتَّى يصير كَأَنَّهُ يرَاهُ، ويبصره، وَيبقى ذاهلا عَمَّا عداهُ كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْإِحْسَان أَن تعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ " أما مُشَاهدَة العيان وَهُوَ فِي الْآخِرَة لَا فِي الدُّنْيَا.

وَقَوله: تجلي صِفَات الذَّات يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَن يراقب أَفعاله فِي الْخلق، ويستحضر صِفَاته، فيغلب يَقِين قدرَة الله عَلَيْهِ، فيغيب عَن الْأَسْبَاب، وَيسْقط عَنهُ الْخَوْف والتسبب، ويغلب عَلَيْهِ علمه تَعَالَى بِهِ،

فَيبقى خاضعا مَرْعُوبًا مدهوشا كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك " وَهِي مَوَاضِع النُّور بِمَعْنى أَن النَّفس تتنور بأنوار مُتعَدِّدَة تتقلب من نور إِلَى نور وَمن مراقبة إِلَى مراقبة بِخِلَاف تجلي الذَّات إِذْ لَا تعدد هُنَالك وَلَا تحول.

وَثَانِيهمَا أَن يرى صفة الذَّات بِمَعْنى فعلهَا وخلقها بِأَمْر كن من غير توَسط الْأَسْبَاب الخارجية، ومواضع النُّور هِيَ الأشباح المثالية النورية الَّتِي تتراءى للعارف عِنْد غيبَة حواسه عَن الدُّنْيَا.

وَمعنى تجلي الْآخِرَة أَن يعاين كمجازاه ببصر بصيرته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، ويجد ذَلِك من نَفسه كَمَا يجد الجائع ألم جوعه والظمآن ألم عطشه، فمثال الأول قَول عبد الله بن عمر حِين سلم عَلَيْهِ إِنْسَان وَهُوَ فِي الطّواف، فَلم يرد عَلَيْهِ السَّلَام، فَشَكا إِلَى بعض أَصْحَابه، فَقَالَ ابْن عمر: كُنَّا نترايا لله فِي ذَلِك الْمَكَان، وَهَذِه الْحَالة نوع من الْغَيْبَة وَنَوع من الفناء، وَذَلِكَ لِأَن كل لَطِيفَة من اللطائف الثَّلَاث لَهَا غيبَة وفناء، فغيبة الْعقل وفناؤه سُقُوط معرفَة الْأَشْيَاء شغلا بربه، وغيبة الْقلب وفناؤه سُقُوط محبَّة الْغَيْر وَالْخَوْف مِنْهُ، وغيبة النَّفس وفناؤها سُقُوط شهوات النَّفس وانحجامها

<<  <  ج: ص:  >  >>