للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{النَّفس بِالنَّفسِ وَالْعين بِالْعينِ وَالْأنف بالأنف وَالْأُذن بالأذن وَالسّن بِالسِّنِّ والجروح قصاص} .

فالعين بِمِرْآة محماة وَالسّن بالمبرد وَلَا تقلع لِأَن فِي الْقلع خوف زِيَادَة الأدى. وَفِي الجروح إِذا كَانَ كالموضحة الْقصاص يقبض على السكين بِقدر عمق الْمُوَضّحَة فان كَانَ كسر الْعظم فَلَا قصاص لِأَنَّهُ يخَاف مِنْهُ الْهَلَاك.

وَجَاء عَن بعض التَّابِعين لطمة بلطمة. وقرصة بقرصة.

وَالثَّانِي أَن مَا كَانَ إِزَالَة لقُوَّة نافعة فِي الْإِنْسَان كالبطش. وَالْمَشْي وَالْبَصَر. والسمع. وَالْعقل. والباءة، وَيكون بِحَيْثُ يصير الْإِنْسَان بِهِ كلا على النَّاس، وَلَا يقدر على الِاسْتِقْلَال بِأَمْر معيشته، وَيلْحق بِهِ عَار فِيمَا بَين النَّاس، وَيكون مثله يتَغَيَّر بهَا خلق الله، وَيبقى أَثَرهَا فِي بدنه طول الدَّهْر فانه يجب فِيهَا الدِّيَة كَامِلَة، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ظلم عَظِيم وتغيير لخلقه وَمثله بِهِ وإلحاق عَار بِهِ وَكَانَ النَّاس لَا يقومُونَ بنصرة الْمَظْلُوم بأمثال ذَلِك كَمَا يقومُونَ فِي بَاب الْقَتْل، ويحقر أَمرهم الظَّالِم وَالْحَاكِم. وعصبة الظَّالِم وعصبة الْمَظْلُوم فاستوجب ذَلِك أَن يُؤَكد الْأَمر فِيهِ ويبلغ مزجرته أقْصَى المبالغ.

وَالْأَصْل فِي قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابه إِلَى أهل الْيمن: " فِي الْأنف إِذا أوعب جدعة الدِّيَة، وَفِي الاسنان الدِّيَة، وَفِي الشفتين الدِّيَة، وَفِي البيضتين الدِّيَة، وَفِي الذّكر الدِّيَة، وَفِي الصلب الدِّيَة، وَفِي الْعَينَيْنِ الدِّيَة " وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام.

" فِي الْعقل الدِّيَة ".

ثمَّ مَا كَانَ إتلافا لنصف هَذِه الْمَنْفَعَة فَفِيهِ نصف الدِّيَة، فِي الرجل الواحده نصف الدِّيَة، وَفِي الْيَد الْوَاحِدَة نصف الدِّيَة، وَمَا كَانَ إتلافا لعشرها كأصبع

من أَصَابِع الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ فَفِيهِ عشر الدِّيَة، وَفِي كل سنّ نصف عشر الدِّيَة، وَذَلِكَ لِأَن الْأَسْنَان تكون ثَمَانِيَة وَعشْرين. وَسِتَّة وَعشْرين، وَالْكَسْر الَّذِي يكون بِإِزَاءِ نِسْبَة الْوَاحِد إِلَى ذَلِك الْعدَد خَفِي مُحْتَاج إِلَى التعمق فِي الْحساب، فأخذنا الْعشْرين، وأوجبنا نصف عشر الدِّيَة.

وَالثَّالِث أَن الجروح الَّتِي لَا تكون إبطالا لقُوَّة مُسْتَقلَّة وَلَا لنصفها، وَلَا تكون مثله، وَإِنَّمَا هِيَ تَبرأ، وتندمل لَا يَنْبَغِي أَن تجْعَل بِمَنْزِلَة النَّفس وَلَا بِمَنْزِلَة الْيَد وَالرجل، فَيحكم بِنصْف الدِّيَة، وَلَا يَنْبَغِي أَن يهدر وَلَا يَجْعَل بإزائه شَيْء، فأقلها الْمُوَضّحَة إِذْ مَا كَانَ دونهَا يُقَال لَهُ خدش وخمش لَا جرح، والموضحة مَا يُوضح الْعظم فَفِيهِ نصف الْعشْر لآن نصف الْعشْر أقل حِصَّة يعرف من غير إمعان فِي الْحساب، وَإِنَّمَا يبْنى الْأَمر فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>