قَالَ الله تَعَالَى:{الْآن خفف الله عَنْكُم وَعلم أَن فِيكُم ضعفا} .
أَقُول: إعلاء كلمة الله لَا يتَحَقَّق إِلَّا بِأَن يوطنوا أنفسهم بالثبات والنجدة وَالصَّبْر على مشاق الْقِتَال وَلَو جرت الْعَادة بِأَن يَفروا إِذا عثروا على مشقة لم يتَحَقَّق الْمَقْصُود بل رُبمَا أفْضى إِلَى الخذلان.
ثمَّ لَا بُد من بَيَان حد يتَحَقَّق بِهِ الْفرق بَين الْوَاجِب وَغَيره وَلَا تتَحَقَّق النجدة والشجاعة إِلَّا إِذا كَانَ أَسبَاب الْهَزِيمَة أَكثر من أَسبَاب الْغَلَبَة فَقدر أَولا بِعشْرَة أَمْثَال لِأَن الْكفْر يَوْمئِذٍ كَانَ أَكثر وَلم يكن الْمُسلمُونَ إِلَّا أقل شَيْء فَلَو رخص لَهُم الْفِرَار لم يتَحَقَّق الْجِهَاد أصلا، ثمَّ خفف إِلَى مثلين لِأَنَّهُ لَا تتَحَقَّق النجدة والثبات فِيمَا دون ذَلِك.
ثمَّ لما وَجب الْجِهَاد لإعلاء كلمة الله وَجب مَا لَا يكون الإعلاء إِلَّا بِهِ، وَلذَلِك كَانَ سد الثغور وَعرض الْمُقَاتلَة وَنصب الْأُمَرَاء على كل نَاحيَة وثغر وَاجِبا على الإِمَام وَسنة متوارثة، وَقد سنّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخلفاؤه رَضِي الله عَنْهُم فِي هَذَا الْبَاب سننا، وَكَانَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا أَمر أَمِيرا على جَيش أَو على سَرِيَّة أوصاه فِي خاصته بتقوى الله وَمن مَعَه من الْمُسلمين خيرا، ثمَّ قَالَ:" اغزوا باسم الله فِي سَبِيل الله قَاتلُوا من كفر بِاللَّه اغزوا وَلَا تغلوا " الحَدِيث.
وَإِنَّمَا نهى عَن الْغلُول لما فِيهِ من كسر قُلُوب الْمُسلمين وَاخْتِلَاف كلمتهم واختيارهم النَّهْي على الْقِتَال، وَكَثِيرًا مَا يُفْضِي ذَلِك إِلَى الْهَزِيمَة، وَعَن الْغدر لِئَلَّا يرْتَفع الْأمان من عَهدهم وذمتهم وَلَو ارْتَفع ذهب أعظم الْفتُوح وأقربها وَهِي الذِّمَّة، وَعَن الْمثلَة لِأَنَّهُ تَغْيِير خلق الله، وَعَن قتل الْوَلِيد لِأَنَّهُ تضييق على الْمُسلمين وإضرار بهم فَإِنَّهُ لَو بَقِي حَيا لصار رَقِيقا لَهُم وَاتبع السابي فِي الْإِسْلَام.