وَمن تِلْكَ الرُّءُوس الْحلِيّ المترفة، وَهَهُنَا أصلان: أَحدهمَا أَن الذَّهَب هُوَ الَّذِي يفاخر بِهِ الْعَجم ويفضي جَرَيَان الرَّسْم بالتحلي بِهِ إِلَى الْإِكْثَار من طلب الدُّنْيَا دون الْفضة وَلذَلِك شدد النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الذَّهَب، وَقَالَ: " وَلَكِن عَلَيْكُم بِالْفِضَّةِ فالعبوا بهَا ".
وَالثَّانِي أَن النِّسَاء أحْوج إِلَى تزين ليرغب فِيهِنَّ أَزوَاجهنَّ، وَلذَلِك جرت عَاده الْعَرَب والعجم جَمِيعًا بِأَن يكون تزينهن أَكثر من تزينهم فَوَجَبَ أَن يرخص لَهُنَّ أَكثر مِمَّا يرخص لَهُم، وَلذَلِك قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
" أحل الذَّهَب وَالْحَرِير للأناث من أمتِي وَحرم على ذكورها ".
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فِي خَاتم ذهب فِي يَد رجل. " يعمد أحدكُم إِلَى جمر من نَار فَيَجْعَلهُ فِي يَده " وَرخّص عَلَيْهِ السَّلَام فِي خَاتم الْفضة لَا سِيمَا لذِي سُلْطَان، قَالَ. " وَلَا تتمه مِثْقَالا " وَنهى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النِّسَاء عَن غير المقطع من الذَّهَب وَهُوَ مَا كَانَ قِطْعَة وَاحِدَة كَبِيرَة، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
" من أحب أَن يحلق حَبِيبه حَلقَة من النَّار فليحلقه حَلقَة من ذهب " وَذكر على هَذَا الأسلوب الطوق السوار. وَكَذَا جَاءَ التَّصْرِيح بقلادة من ذهب، وخرص من ذهب. وسلسلة من ذهب، وَبَين الْمَعْنى فِي هَذَا الحكم حَيْثُ قَالَ: " أما إِنَّه لَيْسَ مِنْكُن امْرَأَة تحلي ذَهَبا تظهره إِلَّا عذبت بِهِ " وَكَانَ لأم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا أوضاع من ذهب، وَالظَّاهِر
أَنَّهَا كَانَت مقطعَة، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" حل الذَّهَب للاناث " مَعْنَاهُ الْحل فِي الْجُمْلَة.
هَذَا مَا يُوجِبهُ مَفْهُوم هَذِه الأحديث وَلم أجد لَهَا مُعَارضا، وَمذهب الْفُقَهَاء فِي ذَلِك مَعْلُوم مَشْهُور وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال.
وَمِنْهَا التزين بالشعور فان النَّاس كَانُوا مُخْتَلفين فِي أمرهَا، فالمجوس كَانُوا يقصون اللحى ويوفرون الشَّوَارِب، وَكَانَت سنة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام خلاف ذَلِك، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" خالفوا الْمُشْركين، وفروا اللحى واحفوا الشَّوَارِب ".
وَكَانَ نَاس يحبونَ التشعث والتمهن والهيئة البذة ويكرهون التجمل والتزين. وناس