للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فظاهر هذه الآية أن آدم عصى ربه، وغوى، بمخالفة أمر الله، واستجابته لدعوة الشيطان، وأن ذلك كان زلة وقع فيها.

{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} (١).

ولكن إذا أمعنا النظر، رأينا أن هذه المعصية إنما وقعت من آدم نسيانًا منه لعهد الله، ولم يصدر عنه هذا الفعل عن إرادة وقصد، والله عز وجل لا يؤاخذ على الخطأ ولا على النسيان؛ لأن ذلك تكليف بما لا يطاق، والله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، والأصل فى هذه القاعدة قول الله عز وجل:

{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} (٢).

وقوله:

{رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (٣).

والدليل على أن ما وقع من آدم كان نسيانًا وعن غير عمد، قول الله عز وجل:

{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} (٤).

أى أن آدم نسى عهد الله الذى وصاه به حين ارتكب ما نهاه عنه من الأكل من الشجرة، ولم يوجد له عزم على فعل ما نهى عنه .. وحيث لم يوجد له عزم على فعل ما نهى عنه، وحيث لم يوجد العزم على المعصية، فلا توجد المؤاخذة.

وإنما اعتبر القرآن ذلك النسيان عصيانًا نظرًا لمقام آدم الذى خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وأسكنه جنته، وعلّمه الأسماء كلها،


(١) سورة البقرة - الآية ٣٦.
(٢) سورة الأحزاب - الآية ٥.
(٣) سورة البقرة - الآية ٢٨٦.
(٤) سورة طه - الآية ١١٥.

<<  <   >  >>