للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفى حديث الحارث بن مالك الأنصارى رضى الله عنه ما يعطينا الصورة المشرقة لهذا الإيمان.

فقد مر حارثة برسول الله صلوات الله وسلامه عليه فقال له الرسول: «كيف أصبحت يا حارثة؟»؛ قال: أصبحت مُؤمنًا حقًا؛ قال: «انظر ماذا تقول، فإن لكل شىء حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟»؛ قال: عزَفتْ نفسى عن الدنيا، فأسْهَرْت ليلى، وأظمأت نهارى، وكأنى أنظر إلى عرش ربى بارزًا، وكأنى أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأنى أنظر إلى أهل النار يتضاغَوْن (١) فيها؛ فقال: «عرفت يا حارثة فالزم» (٢).

* الانحراف عن منهج الرسل وأثره:

ومنذ قامت دولة التوحيد على يدى خاتَم أنبياء الله ورسله، بقيت العقيدة تستمد قدسيتها من وحى الله وتعاليم السماء، وتعتمد أوَّل من تعتمد على الكتاب والسنة، وتتّجه فى الدرجة الأولى إلى تربية الملكات، وإعلاء الغرائز، وتهذيب السلوك، كى ترفع الإنسان إلى السمو اللائق بكرامته، وتجعل منه قوة إيجابية فى الحياة.

ثم كانت الخلافات السياسية، والاتصال بالمذاهب الفكرية والمذاهب الدينية الأخرى؛ وتحكيم العقل فيما لا قدرة له عليه .. سببًا فى العدول عن منهج الأنبياء؛ كما كانت سببًا فى تحول الإيمان من بساطته وإيجابيته وسموّه إلى قضايا فلسفية، وأقيسة منطقية، ومناقشات كلامية، أقرب ما تكون إلى المناقشات البيزنطية.


(١) يتضاغون: يصرخون.
(٢) رواه الطبرانى بسند ضعيف.

<<  <   >  >>