وإذا كان النظر العقلى فى الكون وأسراره يهدى إلى البارى جل شأنه، وإذا كان الشعور الفطرى شعورًا أصيلاً فى النفس الإنسانية، يستوى فيه العالم والجاهل، والحضرى والبدوى، والرجال والنساء، والأولون والآخرون، فإن ثمة دليلاً أخر مأخوذًا من واقع الإنسان وتجاربه، فكم دعا الإنسان ربه، فأجاب دعاءه، وكم ناداه فلبى نداءه، وكم سأله فأعطاه، وكم توكل عليه فكفاه، وكم من مرض شفاه منه، وكم من ألم خففه عنه، وكم من رزق ساقه إليه، وكم من كربة فرجها، وكم من غمة كشفها.
إن تجارب الإنسان فى الحياة تأخذ بيده، وتوصله إلى الله مباشرة؛ لأنها تكشف له عن الحقيقة التى لم يستطع أن يلمسها بحواسه والتى تدبر الكون، وتسيِّره وفق نظام محكم وقانون مُطَّرد، وما من إنسان إلا وقد وقع له فى حياته من التجارب ما عرفه بالله، وهداه إليه، وأوقعه عليه.
فكثيرًا ما يفقد الإنسان جميع الأسباب المادية التى تجلب الخير له، أو تدفع الشر عنه .. فإذا توجه بقلبه إلى رب كل شىء ومليكه، تحقق له من الخير ما يصبو إليه، واندفع عنه من الشر ما يخاف منه دون سبب ظاهر، أو تعليل معقول، فبماذا تفسر هذه الظواهر؟
وهل لها تفسير سوى أن من ورائها رب الأرباب ومسبب الأسباب.
* التأييد الإلهى:
ومن دلائل الوجود الإلهى أن المؤمنين بالله إيمانًا حقيقيًا أعلى من غيرهم علمًا، وأكثر أدبًا، وأزكى نفسًا، وأطيب قلبًا، وأكثر تضحية، وأعظم إيثارًا، وأنفع الناس للناس،