للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجه الأول: أن الله أذاق الكافرين الأول بأسه, وأنزل بهم عقابه, فلو لم يكونوا مختارين للجرائم والمآثم, والكفر والشرك لَمَا عذبهم الله, لأن الله عادل لا يظلم مثقال ذرة.

والوجه الثانى: أنهم زعموا ذلك عن جهل بالله, وجهل بدينه, وأنهم ليس عندهم من علم يمكن أن يستند إليه, ويرجع إليه, وإنما كفرهم هذا تمرد على دينه وافتيات على الحق الذى أنزله على ألسنة الرسل.

وإذا كان الله قد عذب الأمم السابقة على كفرها, وإذا كان المشركون ليس لهم من حجة يحتجون بها, فقد تقرر أن دعوى المشركين دعوى ظنية لا تقوم عليها حجة, ولا ينهض بها دليل.

وبذلك قامت حجة الله البالغة على هؤلاء, ولو شاء الله لأجبرهم على الهداية وإذن فلن يكونوا حينئذ من البشر, لأن البشر فطر على الحرية والاختيار.

* مشيئة الرب ومشيئة العبد:

وقد يقال: إذا كان الله منح العبد الحرية والاختيار فما معنى قوله:

{لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (١).

فنقول: معناها أن الإنسان لا يشاء شيئًا إلا إذا كان فى حدود مشيئة الله وإرادته, فمشيئة البشر ليست مشيئة مستقلة عن مشيئة الله, والله قد شاء للإنسان أن يختار أحد الطريقين: طريق الهداية, أو طريق الضلالة.


(١) سورة التكوير - الآية ٢٨، ٢٩.

<<  <   >  >>