للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكذلك كان صلى الله عليه وسلم مدة حياته لا يخطر السوء على قلبه، وإذا كان ذلك كذلك، فما معنى الذنب الذى أمر أن يستغفر منه، والذى قد غفر له ما تقدم منه وما تأخر؟

مما لا جدال فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت تصدر عنه بعض التصرفات التى لم يوح إليه شىء بخصوصها، بل كان أمرها متروكًا إلى اجتهاده الخاص، فكان فى بعض الأحيان يؤديه اجتهاده إلى ما هو حسن، متجاوزًا ما هو أحسن منه، فاعتبر وقوفه عند الرأى الحسن، وعدم إصابته ما هو أحسن منه ذنبًا بالنسبة إليه وبالإضافة إلى مكانته من العلم والعقل والفقه؛ وقد ذكر القرآن أمثلة لذلك:

فمنها اجتهاده فى أسرى بدر، وقبوله الفداء، وقد عتب الله عليه عتبًا أبكاه:

{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ *لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (١).

أى لولا أن كتاب الله وحكمه سبق بعدم مؤاخذة المجتهد على اجتهاده، لعاقبكم بالعذاب العظيم على قبول الفداء، وعدم الإثخان فى الأرض.

ولما نزلت هذه الآية بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبكى معه أبو بكر رضي الله عنه بكاءً شديدًا، وقال: «لو نزل عذاب من السماء، ما نجا غير عمر».

ففى هذه الحادثة، لم يكن من الرسول إلا الاجتهاد فى قضية لم يوح إليه فيها بشىء،


(١) سورة الأنفال - الآية ٦٧، ٦٨.

<<  <   >  >>