للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الإنسان لينظر إلى شيء من صنع الله في الأرض؛ من طلعة بهية، أو زهرة ندية، أو جناح رفاف، أو روح نبيل، أو فعل جميل. فإذا السعادة تفيض من قلبه على ملامحه، فيبدو فيها الوضاءة والنضارة. فكيف بها حين تنظر إلى جمال الكمال مطلقا من كل ما في الوجود من شواغل عن السعادة بالجمال؟ فما تبلغ الكينونة الإنسانية ذلك المقام، إلا وقد خلصت من كل شائبة تصدرها عن بلوغ ذلك المرتقى الذي يعز على الخيال! كل شائبة لا فيما حولها فقط، ولكن فيها هي ذاتها من دواعي النقص والحاجة إلى شيء ما سوى النظر إلى الله.

فأما كيف تنظر؟ وبأي جارحة تنظر؟ وبأي وسيلة تنظر؟ فذلك حديث لا يخطر على قلب يمسه طائف من الفرح الذي يطلقه النص القرآني في القلب المؤمن، والسعادة التي يفيضها على الروح، والتشوف والتطلع والانطلاق!

فما بال أناس يحرمون أرواحهم أن تعانق هذا النور الفائض بالفرح والسعادة؟ ويشغلونها بالجدل حول مطلق لا تدركه العقول المقيدة بمألوفات العقل ومقرراته؟!

إن ارتقاء الكينونة الإنسانية وانطلاقها من قيود هذه الكينونة الأرضية المحدودة، هو فقط مَحَطُّ الرجاء في التقائها بالحقيقة الطليقة يومذاك. وقبل هذا الانطلاق سيعز عليها أن تتصور -مجرد تصور- كيف يكون ذلك اللقاء١.

وإن شئت أن تحلق مع سيد قطب رحمه الله تعالى في سماء الإبداع الأدبي وفضاء الألفاظ العذبة فاستمع أو اقرأ تفسير لقوله تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} ٢، حيث يقول: ومشهد النجوم في السماء جميل ما في هذا شك جميل جمالا يأخذ بالقلوب وهو جمال متجدد تتعدد ألوانه بتعدد أوقاته، ويختلف من صباح إلى


١ في ظلال القرآن: ج٦ ص٣٧٧٠-٣٧٧١.
٢ سورة الملك: الآية ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>