للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد اعترف رحمه الله تعالى في موضع آخر أنه من المحال عليه أن يترجم إيقاع القرآن الكريم في حسه بالألفاظ والتعبيرات فيقول: "إن إيقاع هذا القرآن المباشر في حسي محال أن أترجمه في ألفاظي وتعبيراتي ومن ثم أحس دائما بالفجوة الهائلة بين ما أستشعره منه وما أترجمه للناس في هذه الظلال١!.

وهذا هو ما يطلق عليه الأدباء: الصلة بين القيم الشعورية والقيم التعبيرية في العمل الأدبي؛ أما كيف يعبر الأديب بالألفاظ للدلالة على تجاربه الشعورية الكامنة فيرى سيد قطب رحمه الله تعالى: "أن الانفعال بالتجربة الشعورية يسبق التعبير عنها وفي بعض الحالات يكون هذا الانفعال من التوهج والحرارة والإشراق بحيث يغمر إحساس الأديب ويجعله في شبه نشوة أو في نصف غيبوبة. وأغلب ما تصيب هذه الحالة الشعراء، وقد يُتِمُّ الشاعر عمله في هذه الحالة الفذة، ثم يراجعه فيعجب لنفسه كيف واتته القدرة على صوغ هذه العبارات. وقد يقف أمام بعضها معجبا متعجبا كما لو كان يشهدها أول مرة؛ لأنه لم يتنبه لها كل التنبه في أول مرة وقد عانيت بنفسي حالات من هذا النوع كثيرة وأنا أكتب "التصوير الفني في القرآن" وكذلك وأنا أكتب "في ظلال القرآن" في بعض الأحيان"٢.

ولكنه أحيانا ينفعل مع النص ويحس به يملأ مشاعره ومع هذا لا يستطيع أن يعبر عنها تعبيرا كافيا. خذ مثلا لذلك ما قاله في تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْض} ٣ الآيات، قال: إنهم جماعة خاصة ذات طبيعة خاصة، وإن كانوا بشرا من البشر فمن هم؟ وما الرسالة؟ ما طبيعتها؟ كيف تتم؟ لماذا كان هؤلاء وحدهم رسلا؟ وبماذا؟ أسئلة طالما أشفقت أن أبحث لها عن جواب! إن حسي ليفعم بمشاعر ومعانٍ لا أجد لها كفاء من العبارات ولكن لا بد من تقريب المشاعر والمعاني بالعبارات"٤.


١ في ظلال القرآن ج٤ ص٢٠٣٨.
٢ النقد الأدبي: سيد قطب ص٤٢-٤٣ باختصار.
٣ سورة البقرة: ٢٥٣.
٤ في ظلال القرآن: ج١ ص٢٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>