للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان رحمه الله تعالى يتفاعل مع النص القرآني تفاعلا يجلو له كثيرا من المعاني ويوضح له حقيقة بعض الأحداث والوقائع. خذ مثلا لذلك ما قاله في تفسير قوله تعالى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} ١، فقد سأل عن سبب سجود المشركين عند سماعها وأجاب على ذلك.

"لقد بقيت فترة أبحث عن السبب الممكن لهذا السجود. ويخطر لي احتمال أنه لم يقع، وإنما هي رواية ذكرت لتعليل عودة المهاجرين من الحبشة بعد نحو شهرين أو ثلاثة وهو أمر يحتاج إلى التعليل.

وبينما أنا كذلك وقعت لي تلك التجربة الشعورية الخاصة التي أشرت إليها من قبل.

كنت بين رفقة نسمر حينما طرق أسماعنا صوت قارئ للقرآن من قريب، يتلو سورة النجم. فانقطع بيننا الحديث لنستمع وننصت للقرآن الكريم وكان صوت القارئ مؤثرا وهو يرتل القرآن ترتيلا حسنا.

وشيئا فشيئا عشت معه فيما يتلوه. عشت مع قلب محمد صلى الله عليه وسلم في رحلته إلى الملأ الأعلى. عشت معه وهو يشهد جبريل عليه السلام في صورته الملائكية التي خلقه الله عليها. ذلك الحادث العجيب المدهش حين يتدبره الإنسان ويحاول تخيله! وعشت معه وهو في رحلته العلوية الطليقة. عند سدرة المنتهى، وجنة المأوى. عشت معه بقدر ما يسعفني خيالي وتحلق بي رؤاي، وبقدر ما تطيق مشاعري وأحاسيسي.

وتابعته في الإحساس بتهافت أساطير المشركين حول الملائكة وعبادتها وبنوتها وأنوثتها إلى آخر هذه الأوهام الخَرِفَة المضحكة، التي تتهاوى عند اللمسة الأولى.

ووقفت أمام الكائن البشري ينشأ من الأرض، وأمام الأجنة في بطون الأمهات. وعلم الله يتابعها ويحيط بها.


١ سورة النجم: ٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>