للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وارتجف كياني تحت وقع اللمسات المتتابعة في المقطع الأخير من السورة:

الغيب المحجوب لا يراه إلا الله والعمل المكتوب لا يند ولا يغيب عن الحساب والجزاء والمنتهى إلى الله في نهاية كل طريق يسلكه العبيد والحشود الضاحكة والحشود الباكية وحشود الموتى وحشود الأحياء، والنطفة تهتدي في الظلمات إلى طريقها، وتخطو خطواتها وتبرز أسرارها فإذا هي ذَكر أو أنثى.

والنشأة الأخرى ومصارع الغابرين والمؤتفكة أهوى فغشاها ما غشى!

واستمعت إلى صوت النذير الأخير قبل الكارثة الداهمة: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى، أَزِفَتِ الْآزِفَةُ، لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} .

ثم جاءت الصيحة الأخيرة واهتز كياني كله أمام التبكيت الرعيب:

{أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ، وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ، وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} ؟

فلما سمعت: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} كانت الرجفة قد سرت من قلبي حقا إلى أوصالي واستحالت رجفة عضلية مادية ذات مظهر مادي.

لم أملك مقاومته فظل جسمي كله يختلج، ولا أتمالك أن أثبته، ولا أن أكفكف دموعا هاتنة، لا أملك احتباسها مع الجهد والمحاولة!

وأدركت في هذه اللحظة أن حادث السجود صحيح، وأن تعليله قريب.

إنه كامن في ذلك السلطان العجيب لهذا القرآن ولهذه الإيقاعات المزلزلة في سياق هذه السورة ولم تكن هذه أول مرة أقرأ فيها سورة النجم أو أسمعها،

ولكنها في هذه المرة كان لها هذا الوقع، وكانت مني هذه الاستجابة وذلك سر القرآن، فهناك لحظات خاصة موعودة غير مرقوبة تمس الآية أو السورة فيها موضع الاستجابة، وتقع اللمسة التي تصل القلب بمصدر القوة فيها والتأثير؛ فيكون منها ما يكون!

لحظة كهذه مست قلوب الحاضرين يومها جميعا ومحمد صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه السورة، يقرؤها بكيانه كله ويعيش في صورها التي عاشها من قبل بشخصه وتنصب كل هذه القوة الكامنة في السورة من خلال صوت

<<  <  ج: ص:  >  >>