للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كأن مثار النقع فوق رءوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه

أن نتغنى بإدراك سيد لهذه المشاعر والصور بين الرجل وزوجته وهو الرجل الذي لم يتزوج؟! إن كثيرًا من المتزوجين لا يدركون بعضها، فكيف أدركها كلها؛ إنه توفيق الله وفضله.

ومن ذلك تفسيره لكلمة "كبكبوا" من قوله تعالى عن أصحاب الجحيم:

{فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ} ١ قال، رحمه الله تعالى:

"كبكبوا؛ وإننا لنكاد نسمع من جرس اللفظ صوت تدفعهم وتكفئهم وتساقطهم بلا عناية ولا نظام، وصوت الكركبة الناشئ من الكبكبة، كما ينهار الجرف فتتبعه الجروف. فهو لفظ مصور بجرسه لمعناه"٢.

ومنه تفسيره لكلمة: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا} من قوله تعالى على لسان نوح عليه السلام مخاطبا قومه: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} ٣، قال، رحمه الله تعالى: "فتحس أن كلمة "أنلزمكموها" تصور جو الإكراه بإدماج كل هذه الضمائر في النطق وشد بعضها إلى بعض كما يدمج الكارهون مع ما يكرهون ويشدون إليه وهم نافرون! وهكذا يبدو لون من التناسق أعلى من البلاغة الظاهرية وأرفع من الفصاحة اللفظية"٤.

والجمال الفني في القرآن ليس في تجسيم الأحداث وتشخيصها بصورة مركبة أو مفردة فحسب، ولكنه أيضا في انتقاء المشهد والتقاطه من الزاوية الجمالية فيه. خذ مثلا لذلك تفسيره لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} ٥ وما بعدها.


١ سورة الشعراء: الآية ٩٤.
٢ في ظلال القرآن: ج٥ ص٢٦٠٥
٣ سورة هود: الآية ٢٨.
٤ في ظلال القرآن: ج٤ ص١٨٧٣ "الهامش".
٥ سورة الأنعام: الآية ٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>