للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما تدل عليه آية سورة النحل أن ذلك من باب الرخص لأجل الضرورات العارضة لا من أصل الدين, المتبعة دائما١؛ ولذلك كان من مسائل الإجماع وجوب الهجرة على المسلم من المكان الذي يخاف فيه من إظهار دينه ويضطر فيه إلى التقية، ومن علامة المؤمن الكامل أن لا يخاف في الله لومة لائم، قال تعالى: {فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} ٢، وقال: {فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ٣، وكان النبي وأصحابه يتحملون الأذى في ذات الله ويصبرون، وأما المداراة فيما لا يهدم حقا ولا يبني باطلا فهي كياسة مستحبة يقتضيها أدب المجالسة ما لم تنته إلى حد النفاق والدهان والاختلاق، وتكون مؤكدة في خطاب السفهاء تصونا من سفههم واتقاء لفحشهم"٤.

وقد فسرها بنحو هذا الشيخ حسنين مخلوف فقال: "إلا أن تتقوا منهم تقاة أي: إلا أن تخافوا منهم مخافة أو تخافوا من جهتهم أمرا يجب اتقاؤه من الضرر في النفس أو المال أو العرض, وذلك إذا كان الكفار غالبين ظاهرين أو كنتم في قوم كفار فيرخص لكم في مداراتهم باللسان على أن لا تنطوي قلوبكم على شيء في مودتهم، بل تدارونهم وأنتم لهم كارهون وألا تعملوا ما هو محرم كشرب الخبر، واطلاعهم على عورات المسلمين والانحياز إليهم في مجافاة بعض المسلمين فلا رخصة إلا في المداراة باللسان, وعن معاذ ومجاهد أن هذا الحكم قد نسخ بعد قوة الإسلام, وعن الحسن جواز التقية في كل وقت؛ لدفع الضرر بقدر الإمكان"٥.

أما الأستاذ محمد رشدي حمادي فقال في تفسيرها: "إلا أن تتقوا منهم تقاة" أي: من خاف في بعض البلدان والأوقات من شرهم فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته. قال ابن عباس: ليس التقية بالعمل, إنما التقية باللسان. ويؤيد


١ كما تزعم الشيعة.
٢ سورة البقرة: من الآية ١٥٠.
٣ سورة آل عمران: الآية ١٧٥.
٤ تفسير القرآن الحكيم: محمد خفاجي ج٣ ص١٨٨-١٨٩.
٥ صفوة البيان لمعاني القرآن: حسنين محمد مخلوف ج١ ص١٠٣-١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>