ويعلل ورود هذا النعيم في هذه الآيات وأمثالها بصيغ لا تقبل إلا أن يكون العقاب والثواب جسماني لا رواحاني بقوله:"فالحقيقة الاعتقادية لا بد أن تمتزج بتصور المؤمنين بها لأن الخطاب فيها موجه إلا ملايين من البشر منهم العارف والجاهل، ومنهم الذكي والغبي ومنهم كبير النفس وصغيرها ورفيع الحس ووضيعه ومنهم من يطلب الكمال، ومن لا يعرف كمالا يطمح إليه؛ فلا بد من توضيح الحقيقة الاعتقادية بالمحسوسات في كثير من الأحوال وعلى هذا ينبغي أن يروض فكره كل من ينظر إلى عقيدة الحياة الأخرى في القرآن الكريم.
فالقرآن الكريم يفرض على المؤمنين عقيدة البعث والحساب ويدعوهم إلى الإيمان بالنعيم والعذاب والجنة هي مقر النعيم والنار هي مقر العذاب وفي القرآن أوصاف محسوسة للجنة كما وصفت في سورة الواقعة وفي القرآن أوصاف محسوسة للنار كما وصفت في سورة الفرقان؛ ولكن في المتفق عليه بنص القرآن ونص الحديث النبوي الشريف أن هذه الموصوفات غير ما يرى ويعهد في هذه الحياة والواقع أن المسلمين يفهمون من هذه الصفات معنى التنعيم ومعنى العذاب ولا يخل فهمهم لهذا أو لذاك بالغرض المقصود من وعد الله ووعيده بالمثوبة والعقاب"١، ثم ذهب يستدل لهذا الذي قرره بدليلين أحدهما: فلسفي والثاني صوفي، أما الأول فقال؛ فالإمام فخر الدين الرازي مثلا يقول في تفسير الاتكاء على السرر المرفوعة:"معناه أن كل أحد يقابل كل أحد في زمان واحد، ولا يفهم هذا إلا فيما لا يكون فيه اختلاف جهات، وعلى هذا فيكون معنى الكلام أنهم أرواح ليس لهم أدبار وظهور؛ فيكون المراد من السابقين هم الذين أجسامهم أرواح نورانية: جميع جهاتهم وجه، كالنور الذي يقابل كل شيء"، وهذا فهم فيلسوف باحث في الجواهر والأعراض، وفي مطالب الأرواح والأجسام".
وأما الثاني وهو الفهم الصوفي فقال عنه: "ويفهم المتصوفة أن نعيم الحياة الباقية كله هو الوصول إلى الله ولا يتطلعون إلى جزاء غير هذا الجزاء سمعت