للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: "فماذا يقول القرآن في الجنة؟ {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} ١.

والاية تبدأ بأنها ضرب مثل {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} وليست إيرادا لأوصاف حرفية؛ فهذا أمر مستحيل لأن الجنة والجحيم أمور غيبية بالنسبة لنا لا يمكن تصويرها في كلمات من قاموسنا فكل الغاية هي تقريب تلك المعاني المستحيلة بقدر الإمكان وكل ما جاء عن الجنة والجحيم ما هو إلا ألوان من ضرب المثال وألوان من التقريب وألوان من الرمز"٢.

ويقول أيضا: "الله لا يعذب للعذاب وإنما يأتي العذاب واحتراق الصدر من إحساس من هم في أسافل الدرجات بالغيرة والحسد والهوان والخسران الأبدي الذي لا مخرج منه، وسوف يحرق هذا الإحساس الصدور كما تحرقها النار وأكثر، وسوف يكون هو النكال والتنكيل ينكل الواحد منا بنفسه بالدرجة التي وضع نفسه فيها والتي انحدر إليها بأعماله في الدنيا"٣.

وفي قوله تعالى عن المعذبين في النار: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ} ٤ قال الدكتور مصطفى: "إنه حوار ومكالمة في النار يجري بين المعذبين، وفي مثل نارنا لا يمكن أن يجري حوار بين اثنين يحترقان، والمعنى الثاني العميق في الآية و {لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ} أن أمامنا اثنين "كذا" يتعذب الواحد منها ضعف الآخر مع أنهما في المكان نفسه: ومعنى هذا أن العذاب يكون في الشخص وليس في المكان ذاته وهذا لا ينفي أن العذاب المذكور حسيا بل أنه من الممكن أن يكون


١ سورة محمد: الآية ١٥.
٢ القرآن محاولة لفهم عصري: د/ مصطفى محمود، ص٨١-٨٢.
٣ المرجع السابق: ص٨٧-٨٨.
٤ سورة الأعراف: من الآية ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>